بقلم /سليم يونس
عندما يصدر بيان عن الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية في غزة يحمل جملة « إن العدو الصهيوني تجاوز الخطوط الحمراء وأنها ستقوم بالرد»، هذه الجملة عادة ما تتكرر في بيانات الفصائل والمسؤولين السياسيين بعد كل اعتداء صهيونيي ، وبعضها للأسف لمجرد القول نحن هنا بهدف الاستثمار السياسي، خاصة تلك التي تعقب الجرائم الصهيونية اليومية في الضفة الغربية، كون وعيد البيانات والتصريحات تلك، بالرد «المزلزل»، لا يعقبها ذاك الرد المهدد به، مع بشاعة ما يجري هناك ، مما يفقد اللغة قيمتها وأثرها، كون الأقوال لم تترجم إلى أفعال.
إن الوعي بأن الوجود الصهيوني هو تكوين « أيديولوجي مؤسساتي بشري « طارئ في التاريخ ، تَشكَّل على حساب حق وثبات ووجود واستمرار الشعب الفلسطيني ، فإن هذا الوجود الطارئ؛ والحالة هذه يحمل بالضرورة مقومات زواله في بنيته، لارتباط ذلك الوجود من عدمه بحل التناقض الأساس مع الشعب الفلسطيني صاحب الحق الثابت والأصيل ، ببعده القومي المتجذر والممتد عبر الزمان ، ولأن الفعل ضد هذا التكوين من قبل الشعب الفلسطيني لازال قائماً ومستمراً في التاريخ ، ولن يتوقف حتى يتم تفكيك ذلك التكوين بكل مفرداته .
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن صوابية القراءة والرؤية ، يجب ألا يحكمها « شرط اللحظة « مهما امتد ومهما كانت قسوته في الواقع ، ارتباطا بميزان القوى في لحظة معينة ربما مجافية، والقول وفق هذه اللحظة( الشرط) أن الاحتلال « قدر لا يمكن رده « حسب قراءة البعض ، في حين أن هناك فرقاً كبيراً بين شرط اللحظة المحكوم بعوامل ذاتية وموضوعية تاريخية متحركة ، قد تفرز علاقات وموازين قوى مقررة في لحظة تاريخية معينة، لكنها من منظور استراتيجي تاريخي هي غير « شرط التاريخ « الذي تحكمه قوانين الوجود في الأصل والحق الثابت والممتد عبر الزمان؛ ويقف وراءه شعب مصر ويعمل على استرداد حقوقه كملة في وطنه.
إن أية قراءة للصراع بمعزل عن محدداته القسرية التي تكيفه على أنه صراع تاريخي مفتوح وممتد ، بصرف النظر عما يمكن أن تفرزه موازين القوى الراهنة وإن كانت مقررة ماديا ، هي فيما أعتقد قراءة مضللة وضارة ، طالما أن جبهة الذاكرة والعقل والوعي تحتفظ بحضورها في الواقع ، وتحفظ للصراع أبجدياته المستندة إلى وجود الحق وصاحب الحق في الأساس وتلازمهما ، مع عدم التسليم بما يمكن لميزان القوة القائم أن يفرضه راهناً. الذي ربما يدفع البعض إلى التفريط بالحق الثابت والمستمر بالقول « بالحق الواقعي « باعتباره نتاج معادلة سياسية عسكرية حضارية لسنا أحد مكوناتها كما يرى هذا البعض .
ومن المهم أن ننبه إلى مخاطر ضعف الرؤية وعدم النزاهة الفكرية في القراءة والتحليل، التي على ضوئها يجري التقرير في قضايا مصيرية تاريخية ثابتة ارتباطا بمرحلة تاريخية عابرة ومؤقتة بصرف النظر عن المساحة الزمنية التي تحتلها أو قد تحتلها في الواقع الراهن ، لأن تلك القراءة ربما تسعى عن سبق إصرار لتأسيس وعي مواز « قاصر» منفصل عن جذوره ، تبشر به باعتباره المدخل الضروري لكي يقبل بنا الآخر ، ضمن آحاد أطرافه باعتباره المركز ، حتى لو كان ذلك على حساب الوجود المادي للشعب الفلسطيني في الشتات والداخل ككتلة بشرية واحدة تعيش في الواقع ، تملك من شرعية الوجود والحق بما لا يمكن لأي قوة أن تفصم عراها .
ولذلك يجب أن تدل المفاهيم واللغة على نفسها ، لأنه بقدر ما يمكن أن يقال حول موضوعية مواجهة المشروع الصهيوني الإمبريالي الإحلالي بأشكال المواجهة المختلفة ، العنفية وغير العنفية ، فإن اللغة والمفاهيم هي التي تحفظ للذاكرة حضورها الدائم في خندق الجبهة الثقافية، لتبقى تمثل المتراس الأول لحضور الحق بتجلياته المختلفة ، كحق ثابت وأصيل ، لا يمكن التفريط فيه أو التنازل عنه .. ومع إدراكنا لقسوة الواقع ، وضغط اللحظة في الزمان والمكان ، إلا أن ذلك يجب ألا يحجب عن أذهاننا مكونات المشهد بصيروراته التاريخية الراهنة والمستقبلية التي نملك الفعل الإيجابي فيها، بما يمكننا من الاحتفاظ بتوازننا في القول والفعل ، وأن لا ندع الآخرين ممن أعوزتهم الرؤية واليقين التقرير في موضوع الصراع ارتباطا بما يقال حول قوة شرط معطيات اللحظة ، وهي بالتأكيد شروط ومعطيات قاسية ولكنها متحركة وغير دائمة ، ومن ثم فإنه يصبح من خطل الرأي البناء أو التأسيس عليها مواقف استراتيجية ونهائية، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمصير شعب ، وبموضوع الصراع العربي الصهيوني .
إن إعادة الاعتبار إلى اللغة والمفاهيم وتخليصها مما شابها خلال سنوات الخواء الفكري والقحط السياسي، وربما بسبب إحباط وعجز البعض عن إبداع مقاربات سياسية وعسكرية كفاحية قادرة على التكيف الإيجابي الفاعل مع الهدف النهائي التحرير، والواقع الراهن، لكفيل أن يحصن وعينا وذاكرتنا من حملات التشويش والتشويه التي تتكاثر كالفطر في ظل عالم الهيمنة والتفرد المؤقت ، التي هي بالضرورة مسألة مركزية في فهم الذات والآخر، على اعتبار أن الآخر إذا كانت له مساحة في ذاكرتنا لفهمه ومواجهته فإن الثابت لدينا أنـه لا مكان لـه بيننا ، وعلى هـذا الأسـاس يجـب أن تكــون اللغــة وكـذلك المفاهيم .
وعود على بدء نقول إن أي فعل ضد الاحتلال ، إنما يأتي في سياقه المنطقي والطبيعي كحالة رفض مستمرة للكيان الصهيوني كوجود واحتلال ، على اعتبار أنه في البدء احتلال ، ومن ثم فأن أي عمل ضد الوجود الصهيوني في فلسطين ، إنما يأتي في إطار دحر الغزوة الصهيونية في الأساس ، ولذلك فإن الحديث ب « الرد والعقاب « إنما يشكل اختزالا للصراع لا يجب الوقوع في محاذيره ، مهما مررنا بلحظات حزن وأسى على من نفقد من قادة وكوادر ، إذا كنا نعتبر أن قضيتنا يحكمها شرط الصراع التاريخي الممتد والمفتوح ، وأننا من فلسطين نبدأ ومنها ننتهي .
الوسومالمقاومة الفلسطينية
شاهد أيضاً
مع الكاش ينتهي النقاش!
عبدالرزاق الداهش مركزي ليبيا يمضي نحو طباعة سيولة بقيمة ثلاثين مليار دينار؟ وهذا يعني أن …