نوتة
د. نورالدين محمود سعيد
أستاذ الفنون المرئية في الجامعات الليبية
حوار بين الشاب توتو والمعلم ألفريدو.
فيلم (نوفو تشينما باراديزو) Nuovo Cinema Paradiso ، أو (سينما الجنة الجديدة) للمخرج جوزيبي تورنانتوري، أحد أجمل الأفلام في تاريخ السينما بلا منازع، وهو فيلم إنساني بديع، يتشكل في ثوب جديد من الرومانسية المخلوطة بـ اواقعية جديدةب ممزوجة بتيمة (الحنين). فإذا أردت أن تشاهد معنى الحنين مرئياً أمامك في فلسفة السينما، فعليك بروئية هذا الفيلم.
في هذا المشهد الجميل، يدور حوار بين توتو الشخصية المحورية، وبين ألفريدو، معلمه وصديقه، الذي كان يعمل كعارض أفلام في قاعة السينما المسماة بـ (سينما الجنة الجديدة)، هنا يتجادل توتو مع ألفريدو، ولكن بلغة سينمائية تملؤها اللقطات من جهة، ويساندها الحوار المتشابك الأبعاد حول المصير الإنساني برمته تقريباً.
في عموم القصة يصاب ألفريدو بالعمى التام، نتيجة حريق يلتهم صالة العرض القديمة، نظراً لاحتراق الشريط السينمائي على آلة العرض القديمة، وعدم تأمين القاعات بالشكل الكافي، في ذلك الزمن، فيقوم توتو، الذي كان طفلاً في تلك السنوات، بإنقاذه، وهكذا ومع السنوات يكبر توتو، وتكبر أحلامه، ويعيش قصة حب خيالية وواقعية في ذات الوقت، وفي كل مرة تتعقد ذروة النص، وتنتقل المشاهد عبر زمن ماض وحاضر، واقع وواقع آخر، في كل مرة يأتي توتو لألفريدو ليعلمه ويسعفه بنصيحة، وهكذا يتعلم توتو ويكبر… ألفريدو كان مخزن تجارب حكائية نظراً لإلتصاقه بحكايات الأفلام بحكم عمله، فيكون كلامه ممتلئاً بالحقيقة والواقع المعاش، السينما في إيطاليا، كانت ولازالت منبعا أكاديميا للحياة الاجتماعية، وجرعة سيسيولوجية إسبوعية للعائلة الإيطالية.
في الفيلم، يقوم توتو بسرد تطورات علاقته، فيما يقوم ألفريدو بتوجيهه إلى الفعل السليم، أي إلى ما يجب أن يقوم به بصدد هذه العلاقة، حتى أن توتو يسأله، من علّمك كل هذا وأنت رجل أمي تقريباً، فيجيب، (السينما)، ومع مرور أحداث الفيلم، لا يحصل شيء ولا يثمر الحب، هنا يأت بعد سفر طويل، توتو إلى زيارة ألفريدو، ويذهبان إلى البحر بناءً على طلب ألفريدو، يدخلان في لقطة معبّرة جداً (مشهد لزرقة البحر، والشاطئ المليئ بمراسي السفن، في تكوين بليغ جداً).
ـ هل رأيتها يسأل ألفريدو توتو، فيجب بالنفي، لا أحد يعلم أين ذهبت ؟.
ــ اكل منا لديه نجمة يتبعها وتتبعه أحياناًب يجيب ألفريدو، ويضيف، في كل يوم من وجودك تشعر بمركز العالم، وكأنه لم يتغير أبداً، ثم تسافر، لعام لعامين، وحين تعود تجد أن كل شيء تغيّر، ويتكسّر الخيط الذي يربطك بالمكان، أشياء كثيرة لم تعد كما هي، أنت تحتاج إلى أن تسافر لسنوات عدة، سنوات طويلة، حتى تتفهم وطنك، أناسك ومع من كنت، من هم المقربون منك، وكيف ولدت ومتى، أما الآن فلا، ليس بالإمكان، يقول ألفريدو مخاطباً توتو، أنت الآن أعمى أكثر مني، فيجيب توتو من قالها لك هذه العبارات، اجيري كوبر، جيمي ستيوارت، هينري فوندا؟ب ( أبطال لأفلام قديمة)، من قالها؟ فيجيب ألفريدو بالنفي هذه المرة على غير استشهاداته السابقة بأبطال الأفلام، هذه المرة يقول لـ توتو، بأنه هو مبتدع هذا الكلام، ولم يقله أحد، (الحياة ليست هي التي نشاهدها في الأفلام أبداً، الحياة أكثر صعوبة من السينما).
وهكذا ينفعل ألفريدو من أجل توتو الشاب، ليقول له، إذهب، ارحل عني، سافر، أنت ماتزال شاباً، والحياة أكثر روعة، والعالم بين يديك، أما أنا فقد هرمت، وصرت أعمى، إذهب، لا أريد أن أسمعك تتكلم، أترك الكلام وافعل.