الكاتب والناشط الحقوقي
مفتاح قناو/ يكتب للصباح
كان الدخول لدار الأوبرا التشيكية حدثاً مميزاً بالنسبة لمواطن ليبي يفعل ذلك للمرة الأولى، فبرغم من أنه قد سبق لي حضور بعض العروض المسرحية في ليبيا إلا أن الذهاب إلى دار الأوبرا لدى الشعوب الأوروبية تحكمه تقاليد خاصة وقديمة وعادات راسخة وموروث يحتفي بهذه الفنون، من حيث الملبس والتوقيت ودقة التصرفات، كل ذلك جعل الأمر بالنسبة لي محيراً ومربكاً في آن واحد.
تقاليد الدخول لدار الأوبرا كانت تقضي بأن يرتدي الرجال بدل سوداء مع ربطة عنق، وأن ترتدي النساء فساتين السهرة الطويلة، ويكون ارتيادهم لدار الأوبرا في العادة عائلياً أي أن يذهب الزوج رفقة زوجته، وأحياناً تأتي عدة عائلات دفعة واحدة، إلا أننا وقد كنا طلاباً غير متزوجين وصغاراً في السن لم نكن نعرف أو مهتمين بهذه التقاليد لذلك فقد كانت تقاليد ارتياد دور العرض السينمائي هي المسيطرة على تصرفاتنا، لأنها الشيء الوحيد الذي كنا نعرفه جيداً في ليبيا في سبعينيات القرن العشرين ــ قبل أن تنقرض هذه العادة أيضا ــ حيث كنا نذهب مع بداية العرض تماماً ونخرج عند نهايته بأقصى سرعة ممكنة.
أما لديهم فأن الذهاب إلى دار الأوبرا يعني قضاء أمسية كاملة تبدأ قبل بداية العرض بوقت طويل، حيث يتوافد رواد دار الأوبرا مبكراً ويلتحقون بالمقهى الكبير الملحق بردهات الدار الملاصقة ويتناولون بعض المرطبات والعصائر في انتظار بعضهم البعض ويمضون جزء كبيراً من الزمن في الاستمتاع بوقتهم في بعض الحوارات داخل هذا ( الكوكتيل) الذي يرون أنه جزء مهم من حضور الأوبرا، حيث تتنافس السيدات على أظهار جمال فساتين السهرة التي يمتلكنها ولا يلبسنها إلا في مثل هذه المناسبات .
كان العرض الأول الذي شاهدته من أعمال الموسيقار الألماني ريتشارد فاجنر، الحقيقة أنني لم أكن قد سمعت بهذا الفنان قبل ذلك بل لم أستطيع أن أتذكر أسمه إلا بصعوبة بالغة، لكن ومع مرور الزمن وزيادة نسبة اطلاعنا علمت أن ريتشارد فاجنر هذا من مواليد مدينة لايبزج الألمانية في مطلع القرن التاسع عشر وأنه قد عاش كواليس المسرح منذ طفولته حيث كان والده يشتغل بالمسرح وأنه كان يرافقه دائماً ويبقى معه في الكواليس ساعات طويلة، لذلك فقد عشق فاجنر المسرح وأعجبته فخامة ملابس الممثلين، فحاول تقليد ذلك في بيتهم حيث صنع وهو صبي لم يتجاوز الثالثة عشر مسرحاً متكاملاً من الكرتون، وكان يحاول تأليف الأغاني وتلحينها وإخراج العمل بنفسه، لأن هواياته المفضلة كانت كتابة الشعر وعزف الموسيقى والتمثيل، حيث كان من الطبيعي لعاشق المسرح أن يحب الشعر الذي كان يُكتب به المسرح في ذلك الوقت.