منصة الصباح

الهجرة والعمالة الوافدة

مفتاح قناو

___

العلاقات السياسية بين الدول ــ وبشكل خاص المتجاورة ــ تخضع طوال فترات التاريخ لتقلبات مستمرة تحكمها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول، وتمر هذه العلاقات بمراحل من المد والجزر وحالات من الرخاء والشدة تتباين خلالها طبيعة العلاقات.

والتواصل بين دول شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه لم يتوقف مند فجر الحضارة الإنسانية، فكانت الحروب البونية بين قرطاجة التي تمثل الشمال الإفريقي، وروما التي تمثل الجنوب الأوروبي من أقدم حروب المنطقة، وعبور القائد القرطاجي هانيبال لجبال الألب وحصاره لروما كان حدثا تاريخياً ومنعرجاً مهما في تلك الأزمنة الغابرة، عبر بعدها الرومان مياه البحر لتأسيس المدن الرومانية في الغرب الليبي وتوسيع الإمبراطورية الرومانية.

جاءت بعد ذلك المرحلة الإسلامية حيث تم فتح واحتلال صقلية وجزر أخرى من الجنوب الايطالي مند عهد الخليفة عثمان بن عفان بوصول القائد معاوية بن خديج الكندي مرسلا إليها من قائد الجيوش الإسلامية معاوية بن أبي سفيان واحتلالها لتدشين فترة طويلة من الحكم العربي الإسلامي استمرت مند عام 652 حتى عام 1091 ميلادي كانت فيها أجزاء كبيرة من الجنوب الايطالي تحت الحكم العربي تابعة لدولة الأغالبة في الفترة الأولى أو للدولة الفاطمية في الفترة الثانية.

وشهدت هذه العلاقة تطوراً آخر بعبور الطليان لاحتلال ليبيا في مطلع القرن العشرين بعد ضعف الخلافة العثمانية، تلاها شحن عشرات البواخر، وتوطين عشرات الالاف من المعمرين الطليان في ليبيا وتمليكهم الأراضي الخصبة في الشمال الافريقي.

لكن مع بداية الالفية الجديدة انقلب الحال مرة أخرى وأصبحت عشرات السفن المحملة بالبشر تنطلق من الشمال الافريقي وتحديدا من ليبيا باتجاه الشواطئ الإيطالية في موجات جديدة للهجرة لكنها هذه المرة يسمونها (هجرة غير شرعية).

والسؤال الذي يطرح هنا لماذا كانت كل الهجرات وحتى الغزوات السابقة شرعية ولها ما يبررها ؟، ولماذا سميت هذه الموجة من الهجرة بغير الشرعية ؟، برغم أنها هجرة إنسانية عادية مطلبها الاستقرار والحياة الكريمة، لا الاحتلال والقتل والتنكيل.

هل يعود السبب إلى خوف الدول الأوروبية من التغير الديموجرافي الذي قد يطرأ على التركيبة السكانية لها ؟، فهي ترفض الهجرة برغم حاجتها الشديدة لليد العاملة، وماذا لو طرحنا هذا السؤال عما يحدث في بلادنا ؟
فنجد أن عدد المهاجرين العابرين والمستقرين في ليبيا دون أي مستندات رسمية قد تجاوز عدة ملايين، وهو يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في بلادنا في أي لحظة ستكلفنا الكثير من الأرواح والأموال.

لابد لحكومة الوحدة الوطنية، وللحكومة الموازية في شرق ليبيا من العمل الجاد لحصر المهاجرين والعمالة الوافدة في المناطق التابعة لهما، ولابد من العمل على ابعادها وارجاعها إلى موطنها الأصلي القادمة منه، وكذلك التعامل مع الجماعات المستقرة في ليبيا بالكثير من الحزم الأمني، والإجراءات القانونية الدقيقة من حيث الإقامة وطرق الدخول والخروج من المنافذ الرسمية بتأشيرات عمل، أو تأشيرات عبور حسب الحالة، وتسديد ما عليهم من التزامات تجاه الدولة الليبية من ضرائب ورسوم خدمات بمختلف أنواعها.

حسم الامر في هذا الموضوع يمثل جزء هاما من أمن واستقرار الوطن الذي يعاني الكثير من المشكلات واجبة الحل، ولعل هذه المشكلة أكثرها أهمية.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …