منصة الصباح

.النظام الصحي الليبي

النظام الصحي الليبي

الدكتور علي المبروك أبوقرين

كل تقارير منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي والجهات الدولية ذات الاختصاص تقر ان ليبيا تسجل اعلى المؤشرات الايجابية في الصحة ، بالمقارنة بدول القارة الافريقية وكثير من دول العالم .

في البنية التحتية والسعة السريرية والتجهيزات الطبية ، والقوى العاملة الصحية . ومؤشرات التحصينات وصحة المواليد والامهات ، ومتوسط العمر ، والقضاء على الكثير من الأمراض التي كانت تهدد حياة الناس

وحدث بعض النقوص نظرا لتدهور الإدارة وقوانين العمل المجحفة حينها والمرتبات المتدنية وبيئات العمل السيئة ، ونظرا للظروف التي مرت بها البلاد فترة الحصار واثارها على إستيراد بعض المعدات الطبية المتطورة وكذلك على تحويلات العمالة الاجنبية ، مع إنه شهد القطاع الصحي انتعاشات مختلفة في بعض التخصصات الطبية وفي بعض المناطق في تلك الفترة ، وكان يجب أن يشهد تطورا متوالي بنفس السياق الذي بني عليه النظام الصحي الليبي ، ومنها التخطيط الصحي الذي يتماشى مع الزيادة الديموغرافية والتوسع الحضري ، والمخططات السكنية ، والمتغيرات الثقافية والاجتماعية ، وكذلك الاستمرار في برامج التنمية البشرية ، ورفع الكفاءات الوطنية بالتعاون مع الجامعات العالمية والهيئات والمؤسسات التعليمية والتدريبية الدولية المعروفة والمعتمدة دوليا ، والتحول الجذري في رفع مستويات القوى العاملة الوطنية في كل الوظايف والأعمال المطلوبة لادارة وتشغيل نظام صحي متقدم ومتطور ومستمر في التطور بالتمريض الجامعي والمتخصص والفنيين المؤهلين للإمكانيات الطبية التقنية والتكنولوجية الحديثة في الوقاية والتشخيص والعلاج وإعادة التأهيل ، والاطباء المهرة في جميع التخصصات المؤهلين من أرقى الجامعات العالمية لاغير ، بإعتماد سياسات واضحة وجلية في ابتعاث الأطباء الشبان لأرقى الجامعات الدولية والهيئات العالمية البحثية المتخصصة في العلوم الطبية ، والتوسع في برامج توطين العلاج بتطوير النظم الإدارية والتشغيلية والتجهيزات الطبية ، واستجلاب خبراء الطب العالميين لتكوين القدرات المحلية ، وتقديم العلاجات الفعالة المعمول بها في الدول المتقدمة طبيا ، والتوسع في انشاء المؤسسات الصحية المعنية بتعزيز الصحة ، والرعاية الصحية الاولية ، وتعزيز الطب الوقائي ، والمستشفيات بكل تصنيفاتها للخدمات الاستشفائية الأولية والتانوية والثلاثية والمرجعية واعادة التأهيل النفسي والجسدي ، وطب طوارئ بمعناه الحقيقي والدقيق في انقاذ الناس بإمكانيات متطورة متكاملة وقوى عاملة صحية مؤهلة لذلك ونظام يحقق المراد زمنًا وفعلًا ونتيجة ، وبتطبيق احدث معايير جودة الخدمات الصحية ، مع نظام احالة ينتقل فيه المريض بسرعة وسهولة وسلاسة ، في قطاع صحى متماسك غير مفتت وخالي من الأجسام الموازية والمؤسسات والهيئات المفصلة على أشخاص والمدمرة للنظام الصحي .

وضرورة تطوير البحوث الصحية ، والسجلات الوطنية للامراض ، وسرعة رقمنة وأثمنة القطاع الصحي ، مع ضرورة أعتماد السياسات الصحية في جميع القطاعات الحكومية وغيرها لتحقيق الرفاه الحقيقي للأمة ، ليس فقط بالوقاية من الأمراض ، أو توفير الخدمات العلاجية المتقدمة ، وإنما بتحقيق جميع المحددات الصحية والاجتماعية ، وضمان أن تكون ليبيا بكل مدنها وقراها ريفها وحضرها وبرها وبحرها بئية صحية صالحة للعيش والعمل والتطور لهذا الجيل والأجيال القادمة ، ولكن بأيدينا والأنانية المفرطة فينا دمرنا ما نملك لخدمة المصالح الشخصية الضيقة ، وعطلنا مستشفيات كبيرة لنجبر المرضى على المصحات الخاصة الصغيرة ،
وكيف تستقيم الأمور بتضارب المصالح بمن يدير هنا يتملك هناك ، وبعض الأطباء والأخصائيين والأخرين العاملين بالدولة يمارسون أعمالهم في الخاص نهارا جهارا وقت الدوام الرسمي ، او هم من يتملكون او شركاء في مصحات وشركات أدوية وتأمين طبي ، وتوريد معدات وغيرها ، وبعض من يدير صيدليات المستشفيات العامة أو يعمل بها أو بالجهات والادارات الحكومية المعنية بالدواء والصيدلة وما في حكمها يمتلكون أو شركاء في شركات الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية ، وكيف تستقيم الأمور والتعليم والتدريب الطبي أصبح مصدر للارتزاق والتربح ، والوسيلة الأسهل للحصول على الشهادات والرخص ما انزل الله بها من سلطان ، والرجوع للتمريض المتوسط المؤسس على التعليم الأساسي أو من الفاقد التعليمي الذي للاسف يتزايد في مجتمعنا .

اليس هذه وغيرها من أسباب تدمير ما تحقق لأمتنا من انجازات حتى وان كانت غير مرضية مع إنها لا تضاهيها غيرها في القارة الافريقية أو غيرها من الدول ، وصارت بلادنا التي كانت سباقة في جراحات القلب المفتوح وزراعة الكلى والقرنية والقوقعة وجراحات العظام ، وتقويم التشوهات وعلاج الحروق ، والمخ والأعصاب ، والتغطية الصحية ، والتطعيمات وغيرها من خدمات طبية ، وكانت تستقدم في أكبر وأمهر أطباء العالم في كل التخصصات للعلاج والتعليم ،
واليوم بلادنا تغرق بأدوية الكونترا والشهادات المدفوعة والممارسات الخاطئة ، وأصبحت الصحة هي المستنزف الأول لكل مدخرات الشعب وبدون جدوى او فائدة ، وساهمنا بقصد في تدمير قطاع تنموي حيوي هام وهو القطاع الصحي ، ولازلنا نمارس في جلد الذات ، ونستخدم معاول الهدم لتدمير صروح عظيمة .

من اراد الخاص استثماراً او عملاً له ما أراد ولا ضير في ذلك ويترك العام لأهله ، ومن رغب العلاج في الخاص غير مرغم له ما رغب وهو حر في ما رغب وله ذلك ، وهذا وذاك مسموح ومتاح .

ان الدولة مسؤولة عن توفير الأمن الصحي للأمة ، وتأمين التغطية الصحية لكل الناس بجودة وعدالة ومساواة ، ومسؤولة عن تعليم وتدريب وتأهيل الكوادر الطبية والقوى العاملة الصحية على أعلى مستوى ، ومسؤولة عن الشهادات والتراخيص واعتمادها ، ومسؤولة عن تصويب الانحراف ، وإيقاف التجاوز وتطبيق المعايير .

ليس بالحلول التلفيقية او بإستنساخ تجارب ونماذج فاشلة وغير مدروسة ولاتناسب البلاد والمجتمع ، وليبيا غير عاجزة عن تمويل نظامها الصحي ، ولا في حاجة لبدائل تمويلية تجارية ، أو في حاجة لتحويل النظام الصحي لمشروع اقتصادي إستثماري للتربح ، والاكتساب من الاصحاء ، وليعيش على مرض الليبين الحذاق الذين يتمنون للمجتمع ان يصاب بكل الأمراض ولا يشفى منهم أحداً .

ليبيا في حاجة لإرادة وإدارة تقوم بتصويب الأمور وإنقاذ القطاع الصحي لانقاذ الأمة ، ليبيا بإمكانها ان تكون مقصدا للشفاء من كل داء ، وليس كما هي الان حتى الصحة صارت هي الداء . وذاهبون للمشافي الخيرية واستجداء التبرعات للحصول على الدواء والعلاج ، ونتحول للتجارب ليتعلم فينا الدخلاء عن الطب ، ويطبب مرضانا حملة الشهادات المدفوعة ، ويقف مرضانا في طوابير الانتظار لأشهر وسنوات ، وتتمركز الخدمات الصحية المتميزة في المدن الكبرى للطبقات الغنية والنافذة فقط ، ويتحول جزء كبير من شعبنا محروم من كل شئ الا الموت ..

الإصلاح ممكن وليس مستحيل لمن اراد بالبلاد والعباد خيرًا
حفظ الله بلادنا وأهلنا من أنفسنا

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …