منصة الصباح

المعلم..

بقلم /جمال الزائدي

كان هنــا نقــاش شــغوف يدعــى المعلــم يوســف القويــري رحــل قبــل أشــهر فــي صمــت يليــق بحياتـه التـي قضاهـا راهبـا مكرسـا فـي صومعـة الكلمــة والفكــر زاهــدا فــي إمتيــازات الســلطة والنفــوذ والحضــوة التــي كان ولازال يتســابق عليهـا أقرانـه مـن ذوي الأسـماء الرنانة..

رحـل كما عــاش ببســاطة وهــدوء دون أن يدعــي بطــولات وانتصــارات وهميــة فــي معــارك زائفــة ودون أن يتاجــر بســنوات ســجنه ويقايضهــا بمناصــب دبلوماســية فــي ســفارات خارجيــة ودون مزاعــم ســخيفة بأنــه كان يكتــب فــي صحــف النظــام ويدبــج المقــالات فــي مديــح مواهبــه الإبداعيــة تحــت تهديــد القتــل والتصفيــة الجســدية ..

لا اســتطيع أن ارســم للمعلــم صــورة واضحــة الملامـح فلـم يكـن صديقـي وأزعـم أنـه لـم يكـن صديقــا لأحــد فــي الوســط الإعلامــي وقليلــون جـدا علـى حـد علمـي- مـن كانـوا علـى تواصـل معـه ، فلقـد اختـار لأسـبابه الخاصـة أن يحتفـظ بمســافة آمنــة بينــه وبيــن الآخريــن.

كان أول لقــاء لــي بالمعلــم فــي بدايــة تكويــن الوعــي عبــر كتابــه الكلمــات التــي تقاتــل حيــن وقعـت أنظـاري علـى العنـوان المثيـر ، بالصدفـة فــي مكتبــة والــدي الكاتــب الصحفــي الراحــل جمعــة الزايــدي ..

وحتــى ذلــك الحيــن لــم أســمع باسـم يوسـف القويـري فقـد كان رصيـد ذاكرتـي مـن أسـماء الكتـاب الليبييـن لأسـباب ليـس هنـا مجـال الخـوض فيهـا الا يتعـدى الاسـمين أو ثلاثـة اسماء .

فــي الكلمــات المقاتلــة أبهرنــي مســتوى فكــري ومعرفــي مختلــف عــن الســائد فــي فضاءنــا المحلــي لا أقــول أنــه كان تغريــدا خــارج الســرب ،لكنــه كان علــى الأقــل يعتمــد خطابــا عقلانيــا نقديـا متماسـكا ..

يمتـاز علـى الخطابـات الأكثـر رواجــا فــي الشــارع بجديتــه وأصالتــه وحــذره المفــرط مــن إســتفزاز المقــدس الشــعبي دينــي وإجتماعــي..

خطــاب فــي ظاهــره هــدوء لكنــه دائمــا أعمــق ممــا يبــدو ، متوخيــا فــي كل مواضيعــه التــي يتناولهــا تقديــم رؤيــة تنويريــة متمــردة بنعومــة وحيــاء علــى منظومــة المــوروث التقليدي..

ربمــا كانــت لظــروف والدة ونشــأت القويـري فـي إحـدى القـرى الزراعيـة فـي مصـر دور جوهــري فــي رفضــه للمنظومــة الاجتماعيــة الليبيــة التــي عرفهــا وهــو فــي ســن النضــج بعــد عودتـه إلـى الوطـن وربمـا كان للأجـواء الحماسـية التـي عاشـتها البـلاد قبيـل الا سـتقلال دور كذلـك فـي تأكيـد شـرعية حلـم القويـري وجيلـه الملتـف حــول القضيــة الوطنيــة فــي تغييــر بنيــة العقــل المجتمع الليبي.

فـي كل كتاباتـه التـي نشـر معظمهـا فـي كتـب مثـل الكلمـات التـي تقاتـل و خيـوط رفيعـة و قطـرات مـن الحبـر و عصـر النهضـة والقادمـون و مدخـل لقضيــة المــرأة..

كان يســتند إلــى موقــف نقــدي تقدمــي وإلــى زاويــة مــن الرؤيــة لا تتماهــى مــع وجهــة النظــر العاميــة المحاصــرة بيــن ســندان المـوروث االجتماعـي وسـلفية القـراءة التاريخيـة لمقاصــد الشــريعة والدين..

ولقــد فعــل ذلــك بتواضـع كبيـر مـن دون اسـتعراضية هدفهـا إثـارة الإعجــاب والتصفيــق أو أســتاذية متعاليــة علــى القــاريء والمجتمــع ..

صحيــح أن المعلــم كان يعشــق نقــش نصوصــه بحرفيــة صائــغ الذهــب بحيــث أنــه تفنــن فــي اختيــار المفــردة وتركيــب العبــارة حتــى بــدت مقالاتــه تحــف معماريــة متكاملـة البنـاء والجمـال لكنـه أيضـا كان صاحـب فكـر ومشـروع ثقافـي كـرس كل حياتـه مـن أجـل تبليــغ رســالته للآخريــن ..

 

شاهد أيضاً

الأولمبي يبدأ رحلة المهمة الصعبة بالمنافسة على سداسي التتويج

بدأ فريق الأولمبي رحلة التحضيرات الجادة بالدوري الليبي لكرة القدم من أجل المنافسة على حجز …