مثل ليبي يصف بعضا من الواقع الذي نعيشه بإرادتنا أو فرضًا علينا، فمنذ أيام ضجت المواقع الإخبارية بقصة شركة (نستله) ومعاييرها المزدوجة، حيث تلتزم بمواصفات منظمة الصحة العالمية بخصوص حليب وأغذية الأطفال في منتجاتها لأوروبا وأمريكا ولا تجد حرجًا في مخالفتها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
في عالم التجارة بمفهوم الربح والخسارة ودراسة السوق لا يمكن ضمان المثالية في غياب الرقابة وقصور التشريعات، فالشركات العالمية وحتى الدول تبيع لك وفق امكانياتك ووفق ما تعلمه عنك من تشريعاتك وقراراتك وأنظمة حماية المستهلك الفعالة عندك ووفق ما يوجد من خروقات وقصور في منظومة المواصفات والمعايير القياسية لديك، والأهم وفق ما لديك من مختبرات حديثة يمكنها اكتشاف محتويات ما تستورده بدقة متناهية، أي أنها عندما تعرف ديتك تتعامل معك ضمن هذا الإطار (اللي تعرف ديته.. اقتله).
منذ 3 سنوات كشفت (جمعية حماية المستهلك وبيئته) الجزائرية أن نحو 20 علامة تجارية للملح المباع في الجزائر غير مطابقة للمعايير وتهدد صحة المستهلك بسبب احتوائها على نسب متدنية من اليود وصلت في بعضها إلى صفر ملليغرام في حين أن النسبة القانونية يجب أن تكون بين 55 مليغرام و85 مليغرام لكل كيلوغرام، وذلك بعد ملاحظة ارتفاع أعداد المصابين بأمراض الغدة الدرقية وزيادة حالات الإجهاض ونقص التركيز والتحصيل العلمي عند أطفال المدارس، فالغدة الدرقية تؤثر على كامل أعضاء الجسم وعملياته الحيوية، حتى أن بعض الدراسات الحديثة وجدت علاقة بين ارتفاع هرمون الغدة الدرقية وزيادة اسلوك الإجرامي للإنسان.
وخلال ديسمبر 2017 – يناير 2018م قامت مجلة (تيل كيل) بإشراف مفوض قضائي بتحليل 11 علامة تجارية من الشاي الصيني المباع في المغرب، وتم رصد 29 مبيد في مجموع العينات بواقع 20 نوع في كل عينة، و8 من المبيدات المرصودة وأهمها (acetamipride) لا توجد لها معايير تحدد المستويات القصوى في القائمة التي ترسلها الصين إلى (الفاو) أو في (codex alimentarius)، وبعضها نسبته أكبر بعشرات أضعاف المستويات المحددة بالاتحاد الأوروبي، وطبعًا هذه العلامات التجارية المشار إليها لا يسمح لها بالدخول للأسواق الأوروبية.
فهل قمنا بإجراء دراسة على الأغذية التي يتناولها أطفالنا وكبارنا؟ خاصة التي تباع لدينا ولا تباع في أوروبا وأمريكا؟ هل عرفنا سبب ارتفاع عدد المواليد والأطفال المصابين بالسكري والضغط رغم عدم وجود تاريخ عائلي للمرض؟ وسبب زيادة مشاكل البدانة عند الأطفال وارتفاع أعداد المصابين بالأورام والفشل الكلوي وزيادة حالات الوفاة بسبب الجلطة الدماغية والسكتة القلبية لكل الأعمار؟
هل قمنا بتطوير ما لدينا من مواصفات ومعايير قياسية للأغذية والمياه والأدوية وكل ما له علاقة بالمعيشة والاستخدام، ومعالجة القصور فيها والمتعلق بالحد الأدنى والحد الأعلى لكل مكون في أي منتج؟ هل قمنا بتفعيل الرقابة باستحداث مختبر مركزي وطني بمواصفات عالمية ليكون السد المنيع الذي يرفع دية المواطن الليبي وبما لا يمكن معه استهدافه وقتله؟