منصة الصباح

الكتاب الأول.. مغامرة حاضرة بقوة في الذاكرة

خلود الفلاح

لكل إنسان أسراره، وحكاياته التي توقظ جذوة الذاكرة، وبعض مضي الوقت تبحث هذه الحكايات عن مكان بعيد عن الذاكرة، حيث يراها الجميع ويستفيدون من التجربة، ومحظوظ من يملك مفتاح الكتابة.

حكاية “الكتاب الأول” هو التعرف على المغامرة الأولى أو الحب الأول في حياة المبدع، كيف جاءت الفكرة؟ وكيف كانت حالة الخوف من النشر ومواجهة القارئ؟ وهل هذه المغامرة كانت دافعا قويا لدخول مجال الكتابة مرة أخرى؟ وكيف ينظر المبدع إلى عمله الأولى بعد سنوات؟

أخطاء ضد وطريق إلى الجنة

ينظر الروائي الليبي إبراهيم عثمونه إلى روايته الأولى “بلقاسم” تماماً مثل سنوات المراهقة التي تعلم فيها الممنوعات وارتكب فيها الأخطاء. يطالعها بعد مضي عدة سنوات على إصدارها وكأنه يرى نفسه في عمر الصبا والمراهقة، ويضيف: ” غير أنني لا أندم ولا ألوم نفسي. اعتبره كتاباً متماشياً مع البدايات. لا شيء يولد ناضجاً، لا بد من أطوار ولا بد من مغامرة ثم بعد ذلك يمكننا التقييم والعودة أو الاستمرار.”

ويعني ذلك، بحسب إبراهيم عثمونه، أن رواية “بلقاسم” أراها احياناً مثل عملية الاستطلاع التي تقوم بها الجيوش، وعلى ضوء نتيجة الاستطلاع يقرر الجيش المضي قدماً أو لا. حتى العملين اللذين جاءا بعدها وكانا أسوأ منها رواية “ضد” ورواية “طريق آخر إلى الجنة” أنظر إليهما كعثرات في بداية طريق وقعتُ فيها، أو بالأحرى هي طريق هربتُ إليها من واقعية الحياة الفجة، التي فشلتُ فيها، وها أنا أصورها اليوم على نحو أجمل بآخر أعمالي رواية “نساء”، وما كان ذلك ليتحقق لولا أخطأ بلقاسم وضد وطريق الجنة.

الكتاب الأول والحب الأول

 ترى الروائية التونسية نجاة إدهان أن الكتاب الأوّل هو كأيّ تجربة أولى، تتداخل فيها مشاعر مختلفة وأحيانا متناقضة لكنّها تتلخّص في وجيف قلبك وأنت ترى اسمك مكتوبا على الغلاف. أشبّه تجربتي مع مجموعتي القصصيّة “هذا ليس لك” باعتراف الحبّ الأوّل الذي لا يمكن أن يُمحى من الذّاكرة، هي تجربة وجدانيّة أكثر من أيّ شيء آخر، لذا كلّما عدت إليها أبتسم لأنّني أقف على بداياتي وشغفي بالحرف ورغبتي في خلق عوالم ممتدّة، لا شيء يجمعها غير أنّها بعضي.

وتضيف: “الآن، أرى كتابي الأوّل، كتجربة الولادة الأولى التي أدخلتني فعليّا عالما كنت أحلم به وجعلتني أتحسّس تفاصيله حقيقة. إنّه التحوّل من الفكرة إلى الفعل أو من الحلم إلى المشروع المتجسّد الذي يعبّر عنّي ويرسم تفاصيل رؤيتي للعالم في كلّ أبعاده، وكلّما تكرّرت التّجربة صرت أنضج وصارت عوالمي أكمل.”

وتلفت نجاة إدهان، إلى أنّ مجموعة “هذا ليس لك” والصادرة 2013، كانت مغامرة بكلّ ما في الكلمة من معان لكنّها المغامرة التي كلّما تكرّرت حرصتَ على أن تكون خطاك أكثر ثباتا وصوتك أشجع. تبدأ تجربة النّشر مغامرةً لكنّها تنتهي مسؤوليّة تجاه أفكارك وتجاه نفسك وتجاه الإنسان الذي أحاول دائما أن أنتصر له. لا يمكن إلّا أن أكون ممتنّة لكتابي الأوّل، إنّه شرارتي الأولى التي أنارت سبيلي وكلّما توهّجت آمنت بأنّ الكتابة لم تكن يوما ترفا ولا صورة تسوّق لاسم صاحبها بل هي أداة فعل وتغيير.

بعد إجباري والاحتفاء الكبير

 

قالت الروائية المصرية نسرين البخشونجى: لم أشعر بالتردد حين قررت نشر مجموعتي القصصية الأولى “بعد إجباري” لأني كنت محظوظة بدعم عدد من الأدباء الكبار أمثال الكاتب إبراهيم عبد المجيد الذي قرأ إحدى القصص في صفحتي على الفيسبوك وعلق عليها بقوله “كتابة حلوة”.

وتضيف: “هذا الدعم كان إشارة لي بأن ما اكتبه يستحق القراءة. ثم جاء الاحتفاء الكبير بعد صدور المجموعة وكتابة الكثير من المقالات النقدية عنها. على سبيل المثال كتب عنها الأديب علاء الأسواني في جريدة ليموند الفرنسية.

المغامرة الحقيقة تحدث في كل مرة أقرر نشر كتاب جديد سواء رواية أو قصة، ولأني ذقت طعم النجاح الكبير في الكتاب الأول، كل هذا يدفعني لتحدي نفسي بالكتابة كل مرة في موضوع جديد لم اتطرق له من قبل، وتشغلني جدا التقنية السردية التي سأكتب بها. مع كل كتاب جديد أنشره أحاول تغيير جلدي وهو تحدى صعب خاصة عندما أكتشف أن ما اكتبه لا يرضيني ولا يدهشني بالشكل الكافي.”

 

وأشارت نسرين البخشونجي إلى أنها لا تهتم بنشر كل ما تكتبه لذلك تتباعد المدة الزمنية بين إصداراتها، حيث الزمن بين روايتها “عطر شاه” وروايتها الصادرة حديثا “اتجاه عكسي” عشر سنوات.

سافرت مع الساحر لمدن كثيرة

وتستدرك الروائية الليبية نهلة العربي، في عام 2012، نشرت روايتي الأولى “الساحر”، كانت مشروع أول له أهداف من أهمها جذب شريحة من الشباب للقراءة، وترك الهواتف المحمولة ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، والبدأ فى خلق هواية جديدة لديهم.

كان الامر تحدي بكل المقاييس، كنت أمام وحش عملاق ولست متأكدة من فوزي في هذه المعركة، هنا فكرت في وسيلة تجعل هذا العمل أكثر بساطة للقراءة لدي الشباب في ليبيا، وتوصلت في نهاية الأمر إلى الكتابة باللغة العربية في السرد والحوار سيكون بالعامية، عرفت فى حينها بأن إستعمال العامية قد ينقص من التقييم العام للعمل وقدرتي على الكتابة بشكل عام، لكنني كنت أهتم أكثر بالهدف الاساسي، وهو جعل الشباب يقرؤون.

وهذا ما حدث بالفعل، استطعت أن أجعل شريحة كبيرة من الشباب تميل لقراءة الكتب والتعرف على موهبة ليبية قد يجد فيها شيئاً من الأمل، وإنعكاس لواقع لا يشعر فيه بالغربة.

وتتابع: كنت مستعدة لتقبل كل الأراء، وسافرت مع الساحر لمدن آخرى غير العاصمة طرابلس، لسماع رآي الشباب في الرواية والحوار حولها، وحدث موقف لا أنساه حتى يومنا هذا، كان هناك شاب ليبي على منصة “تويتر”  يتغزل في رواية الساحر وكم كانت رائعة وأنه أكمل قراتها في وقت قياسي، برغم أنها العمل الروائي الأول الذي يجرب قراته، بعد مدة كتب تغريدة بأنه بدأ في قراءة عمل روائي جديد لكاتب معروف، وخلص إلى نتيجة مفادها ضعف وسطحية رواية “الساحر”.

هنا أبتسمت وسألته، هل فكرت يوماً في قراءة هذا العمل للكاتب المعروف قبل قراءة الساحر؟ الإجابة كانت

“لا ” إذا روايتي هي من فتح شهيتك للقراءة وهذا هو الهدف الذي كنت أسعي إليه منذ البداية.

وتختم ” الطبيعي أن تنقسم الآراء حول أي عمل إبداعي مهما كانت جودته. وبعد مرور كل هذه السنوات، تبقى روايتي الساحر لها مكانة خاصة في قلبي وأعتبرها عمل جيد جداً لما حققته من أهداف.”

الحرب في حي الطرب

ويقول الروائي العراقي نجم والي: منذ أن كتبت أول قصة قصيرة لي خمسة عشر عاماً من العمر، وكان يسيطر عليّ هاجس، إنني إن أردت أن أكون كاتباَ فلابد لي وأن أكتب شيئاً مختلفاً عما يُنشر. هذا السؤال رافقني حقيقة منذ قراءاتي الأولى للأدب العالمي: ترى ما الذي يجعلنا نقرأ لشكسبير، دوستويفسكي، تولستوي، تشيخوف، ستاندال، كافكا، فوكنر، همنغواي، فرجينا وولف، سارتر، كامو وغيرهم؟ لماذا نقراهم وهم قادمون من أراض بعيدة، كتبهم تُترجم إلى لغات العالم؟ ما الذي جعلهم هكذا، إن لم يكن هو اختلافهم، موضوعاتهم العميقة لا علاقة لها بمكان وزمان محددين: الخوف، الحب، الموت، النفي، الخيانة، الحرب، السلام، كل تلك الأسئلة الوجودية التي تشغل الإنسان، فقط إنهم قدموها عن طريق شخصيات سلوكها متميز عن الآخرين. ولكي أكتب عملاً مميزاً، عليّ إثارة الأسئلة الوجودية ذاتها، بطريقة السرد الخاصة بي. هذه الفكرة سرت كما يبدو في الدم، لأنني حين قررت كتابة روايتي الأولى “الحرب في حي الطرب” في ديسمبر 1983، لم تكن لدي صورة واضحة عما سأكتبه، كل ما هنالك، أردت في ذلك اليوم التخلص من ضيف ثقيل، صديق قديم جاء من جنيف يزورني في منفاي هامبورغ، فتركته مع صديق آخر في غرفة أخرى، وقفلت عليّ باب المكتب وشرعت بكتابة الرواية. وكم أشعر اليوم بالإمتنان لهذا الصديق، لولاه لما جاءت هذه الرواية التي عملت عليها قرابة سنة ونصف، والتي ستُثبت تقليداً لاحقاً لدي، الاشتغال على المهمش، مكاناً وشخصيات. إلى حينه كانت بغداد (أو اللامكان)، المكان الشائع في الرواية العراقية. أنا بدأت جنوباً، بـ “حي الطرب”، الواقع في مثلث الحدود العراق الكويت إيران، مكاني المهمش ومعه جنودي المهمشين والغجر والمهربين.

وأفاد نجم والي، كان نشر الرواية مغامرة كبرى. أغلب دور النشر العربية رفضتها خوفاً من نظام صدام حسين ولكسرها التابوات المعروفة عربياً: الدنس، الدين، العسكر، وكان عليّ نشرها بترجمتها الألمانية من قبل المستعرب الألماني يورغن باول 1989، وأولاً عام 1993 صدرت في دمشق، بعد ثمان سنوات من انتهائي من كتابتها في مايو 1985، وعلى الرغم من منعها، كانت تُهرب إلى العراق، وتم اعتقال أهلي بسببها وحتى بعد سنوات، حين صدرت مجدداً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان عام 2013 مُنعت في الأردن.

ويضيف: “الرواية سجلت تاريخاً، بصفتها أول رواية تتناول الحرب وحياة الجنود من وجهة نظر مضادة لوجهة نظر السلطة، إنها رواية تنتمي إلى الأدب الإنساني المضاد للحرب، نسفت القصة الرسمية تماماً التي تمجد الحرب وتدعو للكراهية والموت. والجميل إنها لا تُقرأ حتى اليوم وحسب، بل هي أيضاً أول رواية عراقية تترجم إلى لغات عالمية، لتكون ثالث عمل عراقي يُترجم إلى لغات أخرى، العمل الأول سومري ملحمة جلجامش، الثاني عباسي ألف ليلة وليلة، والثالث في القرن العشرين: الحرب في حي الطرب!”

شاهد أيضاً

مركز البحوث الجنائية والتدريب يستكمل تحضيراته لتنظيم معرضه الدولي الأول للكتاب

  نظّم مركز البحوث الجنائية والتدريب دورةً ميدانية على أرض المعارض بمدينة طرابلس، استهدفت سبعين …