القضية الفلسطينية مستغلة من الوريد إلى الوريد
بالحبر السري
د . علي الدلالي
استغلت كافة الأنظمة العربية دون استثناء القضية الفلسطينية منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 وقتل الشعب الفلسطيني وتشريده وحصاره وقهره وكسره في السجون والمعتقلات.
لم تنزل فكرة قيام “الدولة العبرية” من السماء وإنما جرى التخطيط لها منذ وعد بلفور عام 1917 في أوج الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، وبعد عام واحد فقط مما عُرف باتفاقية “سايكس بيكو” لاقتسام الدول العربية بين فرنسا وبريطانيا (1916) حيث كانت الدول العربية بشكلها الحالي جميعها ترزح تحت نير الإستعمار، وجاء الإعلان عن قيام “دولة إسرائيل” عام 1948 بعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).
بدأت رياح ما يُسمى بالإستقلال تهب على المنطقة العربية مع مطلع خمسينيات القرن الماضي، وإن كان استقلال سوريا والعراق ولبنان ومصر سبق ذلك ولكنه كان استقلالا صوريا مهد لتصور دويلات قزمية واستحداث ممالك وإمارات من العدم في الرمال العائمة على بحيرات البترول والغاز وتنصيب عائلات لقيادتها بأوامر قوى الإستعمار القديم وتحت أعين الإستعمار الجديد.
جاءت ثورة 23 يوليو فكانت مصر مبعث أمل اتضح للأسف أنه كان سرابا موجعا، ثم جاء السادات فكانت مصر الوجع والجرح النازف إلى اليوم. وكانت القضية الفلسطينية في هذا الخضم “عروس عروبتنا بلغة الشاعر مضفر النواب”.
وحتى نخرج من دوائر الوهم والتابوهات قليلا لا بد أن نعترف بأن مصر استغلت القضية الفلسطينية وأسست ودعمت حركات وفصائل فلسطينية ضد أخرى ما أضعف المقاومة الفلسطينية، كذلك فعلت سوريا والعراق وفعلت ليبيا والجزائر، وهي الدول التي تبنت القضية الفلسطينية في خطابها الرسمي على الأقل، وذبح الأردن الفلسطينيين في أيلول الأسود، وحاصرت الدبابات الإسرائيلية بيروت وضيقت الخناق على الفلسطينيين والعرب جميعهم يتفرجون، وجميعهم يُجرون مفاوضات سرية، ثم أمام عدسات المصورين، مع “دولة إسرائيل” قبل وبعد أن فتحت مصر الباب علنا وارتكبت الخطيئة الكبرى.
في ليبيا اليوم يستمر سيناريو استغلال القضية الفلسطينية في أبشع صوره على خلفية الاجتماع الصادم وغير المبرر الذي تم في روما بين وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، ووزير خارجية الكيان الصهيوني، إيلي كوهين، حيث تم توظيف هذا الحدث الموجع لأسباب سياسية وشخصية في إطار الصراع على السلطة والنفوذ بعيدا عن دعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه التي شرد منها بالقوة والإرهاب.
لا بد أن أشير فيما يخصني كمواطن ليبي، ومنعا للمزايدات، رفضي التام وتنديدي بأي مسعى للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي العنصري والإرهابي المغتصب لأرض فلسطين والمسؤول عن قتل الشعب الفلسطيني وتشريده. غير أنه يتعين قراءة المشهد في إطاره الواقعي.
أربكت ردة فعل الشارع الليبي حكومة الوحدة الوطنية وهي ردة فعل عاطفية جدا إذ كان يتعين على الشارع الليبي قبل أن يخرج لنصرة القضية الفلسطينية، وهو أمر مطلوب ومحمود، الخروج أولا لرفض احتلال بلادنا ومصادرة قرار الليبيات والليبيين في وضح النهار، وقيام متصدرين للمشهد الليبي بجلب قوات أجنبية ومنحها قواعد فوق التراب الليبي والتعاقد مع شركات شبه عسكرية ومرتزقة من كل حدب وصوب لقتل الليبيات والليبيين وهدم بيوتهم على رؤوسهم، ناهيك عن نهب المال العام وانتشار الفساد وفق تقارير رسمية موثقة.
إن دعوة البرلمان للإنعقاد ولف الكوفية الفلسطينية حول الأعناق التي انحنت أمام احتلال بلادنا وأمام لقاءات مماثلة مع قيادات صهيونية في الخارج وفي تل أبيب والقدس المحتلة، مزايدة جوفاء لا معني لها، واستعراض فلكلوري باهت، وينسحب ذلك على زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى السفارة الفلسطينية واجتماعه بالسفير الفلسطيني، وهو (السفير) نتاج أوسلو ومدريد والاتفاقيات الأمنية لحماية الإسرائيليين والمستوطنين الصهاينة، وممثل لسلطة فلسطينية تعترف بـ “دولة إسرائيل” وبحقها في الوجود، وتستجدي 22 في المائة فقط من أرض فلسطين التاريخية.
ويبقى السؤال الحقيقي في ظل استمرار استغلال القضية الفلسطينية من الوريد إلى الوريد وتوظيفها على حساب الدم الفلسطيني لمصالح شخصية وقُطرية، ماذا قدم العرب بكل أطيافهم لقضيتهم المركزية (فلسطين) على مدى 75 عاما، والسؤال المحرج ماذا يستطيعون تقديمه اليوم خارج بيانات التنديد الهزيلة المكتوبة بأيدي مرتعشة.