منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية
مقالات مشابهة
يتأهب شهر نوفمبر للمغادرة، مثقلًا بالتطورات السياسية والاقتصادية، تنزف نهاراته القصيرة ولياليه الطويلة دمًا ليبيًا أُريق على مذبح الفوضى والإنفلات، فمن مقتل أخوين ومحاولة البعض ربط الجريمتين بالسحر بعيدًا عن المنطق الجنائي، إلى مقتل ضابط مخابرات وحرقه بسيارته، إلى تعذيب طفلة بالحرق على يد عمتها، وصولًا إلى مقتل طبيبة ليبية وتيتيم أطفالها في جريمة عائلية نُفذت بوحشية وأُحيطت بادعاءات مضلِّلة، خدعت الرأي العام لأيام، قبل أن تنكشف الحقيقة، وليس ببعيد مقتل فتاة بآلة حادة (بالة)، ثم خبر ظهور جثة سيدة قتلها منذ سنتين زوجها المطلوب للعدالة على ذمة ملفات أخرى، ودفنها في بيته.
هذه الحوادث وقبلها كثير، لم تعد مجرد وقائع منفصلة، بل مؤشرات خطيرة تدق ناقوس الخطر حول مدى تماسك روابطنا الاجتماعية، وصحتنا النفسية، وقوة الوازع الديني والأخلاقي وسيادة القانون في مجتمعنا. غير أنّ جريمة مقتل سيدة عمدًا مساء الجمعة بالسرّاج، بعد ملاحقتها وإطلاق الرصاص عليها أثناء محاولتها الهرب، وتيتيم رضيعتها ذات الشهور الأربع، وانتشال جثة سيدة أخرى في نفس المساء بوادي الربيع، يكشف المستور وينزع آخر ورقة توت طالما أخفت حقيقة مؤلمة: لسنا أمام مجرد انتشار للجريمة، بل صرنا أمام استسهال ارتكابها في أي وقت وأي مكان، والأضعف دومًا مستهدف في ظل غياب الرادع وضعف هيبة القانون. فعندما تُعطَّل العقوبات، ، وتُوقف الحدود، ولا يُنفَّذ القصاص، وتتراكم القضايا بلا إنصاف، تتشجع النفوس على الطغيان، وتضمحل قيمة الردع الخاص والعام، ويتحوّل الوطن إلى مساحة مفتوحة للعنف والمقابر.
لقد انزلقنا إلى منزلق خطير؛ ما عادت تفزعنا الدماء على قارعة الطريق، ولا عدنا نفكر بعقل ومنطق، بل صنعنا شماعة جاهزة نعلق عليها تقصيرنا. وطالما أن هناك من يصدق الخرافات ويخشى (الفقي)، فلا أيسر من تبرير الفشل والجريمة وفق منظور السحر والشعوذة وعالم الجن الخفي. وفي ظل غياب دور التعليم، وضعف الشؤون الاجتماعية وشؤون المرأة، وتعطيل العقوبات، وتردي الأمن، وانتشار السلاح، وتنامي خطاب متطرف متظاهرٍ بالتدين، يتداول على منصات فيسبوك وبعض وسائل الإعلام موجَّه لضرب مجتمعنا، إذ يهدف إلى إعادة المرأة في الوعي الشعبي إلى نفس صورتها في العقلية الجاهلية التي حاربها الإسلام، دون رصد أو مكافحة، سيظل العُزّل، وفي مقدمتهم المرأة والطفل، يواجهون موجة متزايدة من العنف والوحشية… وفي مهب الرصاص.
