حوار/ فتحية الجديدي
بدأت قصته مع فن النحت عندما أراد أن يحاكي بها ذاته منذ نعومة أظافره لأكثر من عشرين عاماً، وتخصص في تراث وآثار ليبيا وكانت أولى لوحاته قوس التراجان في مدينة لبدة…
المنحوتة التي خرجت من تحت أصابعه ليستنطق بها فنه التاريخ من خلال تأثره بالمعمار.. أقواس ومدرجات وأبراج وغيرها. جميعها كانت مصدر إلهامه واعتكافه على أعمال خاطب بها المتلقي والمتذوق لفن النحت. وكانت ترجماناً للجمال وإظهار مكامن الروعة في بلادنا.
قدم معزوفة متناغمة تبدأ من الصحراء والريف وتصل إلى طرابلس وتقديم سمفونية متكاملة- بعد اكتمال ما يطمح إليه في الدخول إلى تفاصيل المدينة وأسرارها المعمارية –هكذا كان حلمه الذي باح به إلينا- ونحن ننسج معه حكاية الحُسَن على أدارج مسرح لبدة وامتداداَ لبرج الساعة وأمام أسوار السرايا وصلابة أحجار قوس ماركس اورويليوس، كما تصورها بعينه ولامسها بحسه ووجدانه.
الفنان يوسف بلعيد ابومداس – من مدينة سوق الخميس امسحيل، تغزل بالمجسمات التي يعتز بها مقدما أعماله التي تنوعت في موضوعاتها ومضمونها وقراءاتها أيضاً وكل عمل يمثل لديه قرباً ما، حين تحدث عن بداياته واهتماماته: – استفزتني الآثار الليبية من خلال زياراتي المتكررة للمواقع الأثرية واستهوتني التفاصيل العمارة الرومانية، وما تحمله من فنون، ليبيا ثرية وزاخرة بهذه الكنوز بالآثار الإغريقية والفنيقية وكذلك وجود الصحراء والمدن القديمة كلها كانت المادة الجيدة لي لأن اتجه لهذا الفن الذي أحبه، فكانت علاقتي بلوحتي الأولى “قوس التراجان في لبدة” لازالت قائمة حيث أقوم بزيارة المكان لغاية هذه اللحظة للتمتع بمشاهدته رغم بيع جميع اللوحات التي تحمل صورة هذا المعلم، ويمثل نقطة الانطلاق لدي.
هل للنحت تعامل خاص مع المواد أو تجسيد للأفكار بطريقة مباشرة؟
- اللوحة تبدأ بفكرة، حيث استخدام مادتي الجبس والجير في البداية وأرسم عليه أي من الأشكال المطلوبة تم أقوم بنحته بواسطة عملية الحفر وصب (الفورما) ومن تم تلوينها بالألوان والأصباغ التي اجلبها من خارج البلد لعدم توفرها محلياً. وفن النحت صناعة ولها أساليبها وتقنياتها بطبيعة الحال، والمزاج أيضاً عامل مساعد على الإبداع والفكرة غير مرتبطة عندي بأي وقت أحياناً ترد أي فكرة في رأسي في وقت متأخر من الليل أقوم برسمها على الفور
هل منحوتاتك اقتصرت على المعمار من أقواس وأبراج.. وهل ستكون الشخوص من بنات أفكارك يوماً؟
- لا.. لدي مواضيع متعددة، لكن التخصص فرض علي المضي في المعمار الأثري الذي أحبه إلى جانب نحت بعض شعارات الأندية الرياضية والدروع وأزهار من الطبيعة وبعض الأشجار، وصور من التراث الليبي كاللباس التقليدي مثل الحلي والأحذية القديمة والزي الليبي التقليدي “الفرملة”. وأحياناً يطلب مني بعض المنحوتات لبعض الجهات كالمكتبات التي قمت بنحت باقات من الأزهار لها وأيضاً مجسمات عن بعض المساجد. إلى جانب تعلقي بالصحراء وعشقي لها وكانت لدي أعمال خاصة بها منها السيوف الرملية وجبال أكاكاوس ومعالم من مدينة غدامس يقال أن الفنان ابن بيئته..
فهل تأثرت أعمالك بالمكان؟
- جداً.. الفنان يعكس بيئته في فنه والعكس صحيح، أنا انتمي للبيئة الريفية وأميل للصحراء وهي بيئة غنية جداً بما فيها من معالم مختلفة ومهما أنتجنا من أعمال مازال هناك مخزون هائل تكتسي به بلادنا، كالجبال والواحات والبحيرات والعيون مثل بحيرة قبر عون التي أتمني أن أقوم برسمها ونحتها يوماً. بيئتي كانت لها وقع على لوحاتي ومثلت مصدر إلهامي، عندما أكون جالساً بالطبيعة تتوارد عندي أكثر من فكرة خاصة عندما أجلس في هدوء وسط الطبيعة الساحرة.
ما هي لوحتك القادمة أو الفكرة التي تراودك؟
- في الحقيقة هو مشروع وأكثر من فكرة، أريد التوجه إلي المدن القديمة كي تنال النصيب في لوحاتي القادمة بعون الله بعد رحلة في الصحراء والريف ومدن التخوم، والجميل أن نتجه إلى مواطن الجمال في كل أنحاء بلادنا والتي تحمل هويتنا الليبية، ما تحمله المدن القديمة من معالم في تفاصيلها وشوارعها وأزقتها.
اللوحة القريبة إلى يوسف أبومداس؟
- أقرب لوحة إلى قلبي هي لوحة السرايا الحمراء بطرابلس، التي أخذت فترة إنجازها أكثر من ثلاثة أشهر، وهي فترة طويلة مقارنة باللوحات الأخرى . لأن كل ما يكبر كادر اللوحة تزداد صعوباتها ويستغرق نحتها بالأحجار وقت لا بأس به.