فوزي البشتي
من الواضح أن الديمقراطية التي تقوم على مبدأ تداول السلطة ، لاتضفي حصانة تلقائية ضد الانحراف ، بل تولد بيئة مقاومة للفساد بفضل قوى وأحزاب معارضة نشيطة ، وسلطتين تشريعيتين وتنفيذيتين مستقلتين ، ووسائل إعلام حرة تمتلك ضمانات حرية النشر والتعبير ، وقضاء مستقل لاتنتهك قداسته ، أما في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية من الحكم السلطوي إلى الديمقراطية ، أو من نظام الحزب الواحد إلى النظام التعددي ، ومن الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق فإنها تكون أكثر عرضة للفساد وكلما طالت وتأخرت عملية التحول كلما عششت عناكب الفساد وتسترت . إذ يصبح الفساد لامركزيا ، بتعدد مراكز القرار ، وتفكيك القيود المفروضة على أنشطة اقتصادية وتجارية كانت خاضعة بأكملها لبيروقراطية الدولة .
مما يفتح الباب أمام التدليس واغتنام الفرص وظهور طبقة جديدة من المسؤولين الذين أنيطت بهم عملية خصخصة الأصول العامة من أصحاب الثروات الفاحشة ، عن طريق بيع الأصول بأسعار مخفضة لقاء رشاوي سخية ، أو تمكين أسرهم وأصدقائهم من حيازتها ، وهي عمليات – كما تقول دراسة صادرة عن مجموعة دافوس التابعة للمنتدى العالمي الاقتصادي – تحدث في المراحل المبكرة من الانتقال إلى اقتصاد السوق . عندما تخصخص الشركات في غيبة إطار تنظيمي فعال ويفض التعايش بين قطاعات تتميز بحرية السوق والأسعار وبين قطاعات أخرى مازال يسود فيها التخطيط المركزي ، إلى حدوث تشوهات كبرى وفرص مهتبلة للكسب غير المشروع .
وفي مسح أجرته منظمة الشفافية العالمية تجاوز التقدير بانتشار الفساد بين عينة إحصائية في خمس دول عربية نسبة الـ90 ٪ وكان الاستنتاج المنطقي أنه لاينتظر أن تقل النسبة عن ذلك في البلدان العربية الأخرى التي لم يجر فيها المسح ..
والفساد كما هو متعارف عليه ، هو استغلال المنصب العام من أجل منفعة خاصة وإن كان هناك نوع أخر من الفساد الذي يفرزه الخلل الكامن في بنية النظام .. وذلك على سبيل المثال حين يجعل القانون والعرف في بعض الدول من الأرض والثروات الطبيعية ملكا للحاكم أو الأسرة وهو الشأن في دول النفط دون تمييز بين الصفة الخاصة والعامة للحاكم.
أو في حالات أخرى حين تنشىء الدولة مؤسسات اقتصادية تابعة لبعض أجهزتها العسكرية أو الأمنية بغرض تمويل نشاطها وهنا تختلط الأمور حيث يصعب وضع حد فاصل بين ممارسة المسؤول لحدود وظيفته الرسمية وبين تصرفات تدخل في باب الفساد الشخصي .