مفتاح قناو
لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير كونه ليبيًا، تذوب روحه في حنايا الوطن، الذي يمثل كل شيء لأبنائه، قد تكون الحياة خارج الوطن أكثر راحة ورفاهية إذا توفرت سُبل العيش المادية المريحة، وامتلك الليبي المغترب الوفرة النقدية، لكن الليبي المغترب مهما امتلك من النقود، ومهما شاهد من سُبل الحياة المرفهة، وشارك فيها، فإنه يبقى على الدوام معلقا بحبال الوطن، يرصد الجميع حنينه للوطن في كل حركاته وسكناته، فقد أثبتت التجربة أنه حتى من ينتقد ــ وهو يعيش خارج الوطن ــ مجريات وطرق الحياة، والعلاقات الاجتماعية داخل الوطن فإنما يفعل ذلك لأنه مازال أسيرًا لهوى الوطن لم يستطع التخلص من تعلقه به مهما حاول إخفاء ذلك.
من الواضح أن الليبي لا يجيد التعبير عن تعلقه بالوطن فنراه من خلال ضغوط الحياة اليومية الشديدة ينتقد، بل ويشتم الوطن في بعض الأحيان، لكن شعوره مثل شعور الأم التي تنهر طفلها وهي لا ترضى فيه وخز الشوكة، فنراه يفعل ذلك، وهو يتمنى أن يتعافى الوطن وتنقلب أحواله إلى الوضع المثالي الذي في مخيلته، لكن حالة العجز الكبير التي يعيشها المواطن، والابتلاء بعدد كبير من المسؤولين الفاسدين المتصدرين لمواقع كثيرة في في الحكومات المتعاقبة، والمستمرين في توجيه دفة الأمور نحو الخراب العام، كل هذا يدفع بالمواطن إلى أخر أنواع الاحتجاج، وهو النقد اللاذع، بل الشتائم العلنية لظواهر الفساد التي تتزايد يوما بعد يوم وبشكل مستفز.
العبودية لله والولاء للوطن، هذا هو الشعور الحقيقي والصادق للمواطن الليبي البعيد عن التطرف الديني والايدولوجيا الحزبية والجهوية المناطقية، وهنا يمكن أن يطرح السؤال، لماذا يكون الولاء للوطن ؟ للإجابة عن هذا السؤال يمكن القول بأن الولاء للوطن يعني التخلص من الأنانية المفرطة التي جعلت أغلب المسؤولين لدينا منغمسين في مصالحهم، لا يهمهم الوطن في كثير أو قليل، حيث شعارهم الأساسي (وطنك بطنك)، يستولون على كل ما يصل إلى أيديهم من مقدرات الوطن، يجيرونها لأنفسهم أو يهربونها خارج الوطن.
الولاء للوطن يعزز شعور الإنتماء لهذا الوطن والمشاركة في بنائه، شعور الولاء للوطن يمكن أن يحول سارق أموال الوطن إلى متطوع بجهده وما سرق للمساعدة في بناء الوطن، بعد أن يتوقف عن تهريب الأموال ويشرع في استثمارها داخل الوطن.
الولاء للوطن يمكن أن يحول المسؤول الفاسد إلى مسؤول حقيقي يشعر بمسؤوليته تجاه الوطن فيحقق العدالة وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن.
الولاء للوطن يعني المساهمة في بناء جيش وطني قوي، والابتعاد عن التشكيلات المسلحة المناطقية والجهوية، ليكون الجيش لكل الوطن وليس لمدينة أو جهة أو جماعة.
الولاء للوطن يعني التوقف عن تهريب السلع المدعومة والتي هي قوت المواطن إلى دول الجوار والتوقف عن تهريب الوقود والمحروقات للمحافظة على ما تبقى من اقتصاد الوطن.
الولاء للوطن يعني حماية حدود الوطن، لا فتحها أمام الغرباء وتشجيع الهجرة غير الشرعية لتحقيق مكاسب خاصة.
الولاء للوطن يعني أشياء كثيرة على هذا المنوال، قد لا يتسع هذا المقال لذكرها.