حنان علي كابو
رافق الشعر القضية الفلسطينية منذ اندلاعها ،لم يخنها يوما ولم يتوانى لحظة عن مبدأه ظل رفيقها المخلص الذي أوصل لسان حالها بلغة الروح ومشاعر الغضب وعدم الاستكانة وكيف لا والكلمة كرصاص في وجه العدو .والكلمة صفعة في وجه التخاذل.
سلاح المقاومة وأيقونة الهوية:
يشير الشاعر الفلسطنيني الاديب المقيم في ليبيا وتحديدا ببنغازي منذ زمن ونيف الشاعر أحمد بشير العيلة إن الشعر الفسطنين تجاوز كونه فن أدبي نمطي ليصبح سلاحا مناضلا في وجه مغتصب حقه وارضه يقول في صدد ذلك “منذ أكثر من قرنٍ من الزمان؛ أي منذ الاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين بدعم وتخطيط استعماري غربي صهيوني، تجاوز الشعر الفلسطيني كونه مجرد فن أدبي نمطي، ليصبح سلاحاً مناضلاً ومؤثراً، وأيقونة للهوية الفلسطينية. وعمل التعبير العميق عن معاناة الشعب الفلسطيني إلى تطوير كبير في الشكل وارتقاءً في الصورة الشعرية وتشكيلاتها، ووصوله إلى مناطق عالية التأثير في الإحساس الإنساني، ما جعله في مقدمة الشعر العالمي المقاوم، فهو يعكس معاناة الشعب الفلسطيني وتطلعاته، ويحافظ على تراثه وحضارته، ويُعزز صموده في وجه الاحتلال.”
ليبرز سؤاله في جبهة العالم كيف أصبح الشعر الفلسطيني أداةً للمقاومة؟
يتابع :إن الشعر الفلسطيني امتلك من المقومات التي جعلته سلاحاً مقاوماً، منها:
* قدرته الفذة على التعبير عن الألم والغضب: فالشعر الفلسطيني عبر ويعبر عن الألم والمعاناة الناجمة عن الاحتلال، والغضب من الظلم والاضطهاد، مما يشعل روح المقاومة في نفوس القراء.
* تحفيز الروح المعنوية: يكتسب الشعر الفلسطيني أهمية كبيرة في رفع الروح المعنوية للمقاومين، وتشجيعهم على مواصلة الكفاح. فتناقل المقاومون ومحبو الحرية هذا الشعر لأنه بالفعل لامس وجداناتهم وعبر عن آلامهم الإنسانية.
* تثبيت الذاكرة الوطنية: أسهم الشعر في تثبيت الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وحافظ على سردية النكبة والتاريخ الفلسطيني، مما يمنع محاولات طمس الهوية الفلسطينية. ويمكنني تشبيه القصيدة الفلسطينية هنا بالثوب الفلسطيني المليء بالتطاريز الأصيلة التي تعكس فنياً رموز المكون الحياتي الفلسطيني
* كشف زيف الرواية الصهيونية: لقد كشف الشعر الفلسطيني زيف الرواية الصهيونية، وأبرز الحقائق التاريخية والقانونية للقضية الفلسطينية. ودخل في مواجهة الوجود لينتصر في معركته، ودليل الانتصار أنه اكتسب العالمية وقوة الحضور لامتلاكه اللغة عالية التأثير والإقناع في دحض وتحجيم الأدبيات الصهيونية.
الشعر الفلسطيني كتعزيز للهوية:
عمل الاحتلال الصهيوني لفلسطين على محاولة طمس الهوية الوطنية الفلسطينية بكل الأدوات والوسائل، إلا أن عراقة الشعب الفلسطيني على هذه الأرض عبر آلاف السنين، جعل من الصعب اقتلاعه وطمس هويته، وقد كان الشعر الفلسطيني على خط المواجهة الأول في تجذير الهوية الفلسطينية من محاولات الطمس والسرقة، وحمل على عاتقه أن ترتقي القضية الفلسطيني من قضية سياسية إلى قضية جمالية إنسانية، ومن المساهمات التي وقف عندها الشعر الفلسطيني:
* الحفاظ على التراث اللغوي والثقافي: ساهم الشعر في الارتقاء باللغة العربية وشحن مفرداتها بأقصى التأثيرات والأحاسيس النابعة من عمق الألم، وحافظ من جهة أخرى على التراث الثقافي الفلسطيني، من خلال استدعائه المستمر لمكونات هذا التراث في جمالياتٍ باهظة فريدة.
* بناء الهوية الجماعية: من قوة حضور الشعر الفلسطيني، فقد أصبح مساهماً رئيسياً في بناء هوية جماعية فلسطينية، ويربط الفلسطينيين ببعضهم البعض، مهما كانت أماكن تواجدهم.
* تأكيد الوجود الفلسطيني: يؤكد الشعر الفلسطيني على الوجود الفلسطيني، ويرفض محاولات طمس الهوية الفلسطينية.
يمكننا القول إنه دخل معركة الوجود مسلحاً بآلام شعبه راسماً الجماليات المقاوِمة التي أمكنها التصدي لكل محاولات الإبادة، فنجد أنه ينبت بقوة زهرة تخرج من الركام.
ويضيف معددا امتيازاته
امتاز الشعر الفلسطيني بالتنوع في موضوعاته، حيث تجاوز النمط التقليدي من قصائد سياسية واجتماعية ورومانسية، إلى القصائد التي انتصرت على الذاتية وصارت قوتاً إنسانياً، وهو ما يعكس عمق التجربة الفلسطينية.
كما يمتلك الشعر الفلسطيني القدرة على التأثير: فقد ترك أثراً كبيراً في الثقافة العربية والعالمية، وأصبح رمزاً للنضال من أجل الحرية والكرامة.
إن الشعر الفلسطيني عبْر أجياله المختلفة؛ ليس مجرد فن أدبي، بل هو سلاح نضال، وأيقونة للهوية الفلسطينية. فهو يعكس روح الشعب الفلسطيني، ويحافظ على تراثه، ويعزز صموده في وجه الاحتلال.
من أين لفلسطين بهاء العاشقين .
بدم روحها تكتب الشاعرة وجدان عياش المقيمة في بنغازي مرثية وجع حق له أسى مقيم .تكتب بلغتها الشفافة علها تسافر عبر مسافات ضوئية الي أرض الزيتون والياسمين .
من أين لِغزةَ بهاءُ العاشِقين .. ومِنجلُ الغدرِ يحصِدُ طينهـا ، راسِمًا ربيعًا يُزهِرُ بعيدًا عـن حدائق المُخيم ..
مُنذُ متى وخصرُ الوطنِ مائِلٌ للبكاء ؟
الوعدُ فينا صهيل
مُوجعٌ هذا القيد
ينغرِسُ في جبهةِ الرفضِ
شظايا في وجهِ الأسرِ
المحها تخترِقُ جسدَ فلسطين
تجترحُ الوجعَ النازفَ
في ليلِ التشظي
تُهندِسُ النصرَ
والقذائفُ ترسمُ أشكالاً
تُشبِه نوارَ البساتين في ليلِ العائدين …
سأنحني وأقبِلُ شفاه الورد الساجي حولنا ، أقصِدُ أحبتنا الراحلين ، وأراني لا أعرفُ أيهما أنا ..أهو ذلك الظلُ الذي لن نساومه بجنةِ الراحلين صوب مدائن الحق ، أم مناورتي على ظلِ بابِ الجنةِ وأنا أُردِدُ ، كُن ظلنا أيها الصبر ، حينما يغدو الوطن جنةً من سراب الاستقرار والحرية ، كُن ظلنا لأننا لا نملكُ إلا قلوباً من النرجسِ هي شفيعتنا حينما يجتاجنا شجن الفقد ..
خُونُ الغُبارَ وَأَهِبُ عَطَشَ الرُوحِ لِرَمادٍ يَقبُضُ على جَمرِ أَصابِعي ، وَأكتُبُ .. بِوَجهٍ بَاهِتٍ مَقيتٍ ، يُطِلُ العِيدُ على خَرائِبِ عُروبَتي ، عَينٌ تَكثِرُ مِن عَويلِها وَنُباحِ تُرابِها المَسلُوبِ يَرُجُ مَدى ذِلَةٍ ، أَستحسَنت قَسمَاتِ وجوهِنا فَأثرت البقاء .. يَاءٌ تُطأطِأُ الرَأسَ وَدمعَتين سَخِيَتين تُدِينانِ ضُعفِها وَقِلةَ حِيلَتِها .. وَدالٌ تَنفُضُ رَأسَ رَفضِها لِدَمٍ يَلتَمِعُ على فَمٍ إمتَهَنَ حِراسَةَ عُشبٍ نَما وَاستَطالَ على حَافَةِ نَبعٍ غَافَلَ حُزنَ أَنامِلي وَبَدأ يَتلَمَسُ حَصى ذَاكِرَةٍ تَتَوهَجُ بِخَيالِ حِجَارَةٍ عَنَاقها رَملٌ تَناثَرَ .. حِينما صَـوتُ طَفلٍ فِلسطِيني .. ليبي.. سوري.. يمني بَدَأ يَلهَجُ بِأَنفاسٍ عَبِقَةٍ بِطِينِ الأرَضِ .. آهٍ وَطَني .
في حيرةُ الظِلال
شعبٌ ..
من قلقِ المسافاتِ وحيرةِ ظِلالِها ، يُؤسِسُ من صوتِ الرصاصِ وتراً للحُريةِ ، لِبحرٍ مُرتبِكٍ يُعلِنُ حِدادَ موجهِ ولا يستكين ..
من بهاءِ الماءِ ، يُؤلِفُ من رائِحَةِ الياسمين وصايا الرصاصِ لِوطنٍ يتجلى .. لِفجرٍ يحرِسُ الندى ، والوقتُ صفعةٌ مُرتبكةٌ تنسِفُ صُوراً ورموزاً وحضارات .. تُلقي سلامَ الثائرين على ظِلِ آثامٍ مضت.. على غيمٍ يُشعِلُ الشغفَ في بِلادٍ ستبدو أكثرَ أمناً .. بِنزاهةِ لونِ تُرابِها ، والشفقُ دليلُ غيها المُرتبِك فيما بحرُ غزةَ يُردِدُ نغمتين حائرتين بين هُدنةِ السِلاحِ وخُنوعِ الكلمةِ ..
من رملِ الهزائمِ ، ينثُرُ جُمارَ صبره ونصره على أرضٍ لا تعبأُ بِرُموزِ الخوفِ ولا تكترِثُ بمن مروا قُرب موجٍ من عاصِفَةِ التأويلِ ، قُرب رَملٍ أخرسٍ لا يعي من بحرِ غزةَ سوى أنه يُعلِقها تميمةَ المُدن ويُصادِقُ موجها ويستبيح ظلها المُلائمُ للشهادة..
من دانياتِ الرمادِ وما تساقط على جمرِ التُرابِ من ثِمارٍ ..
من ثمالةِ نرجِسٍ يُؤدي فرائِضَ النشيدِ ، فيما ليلُ غزةَ يلعنُ البياضَ إذ تدفق على الغُصونِ مانِحاً كُلَّ شهيدٍ ضبابَ الجنةِ وما تلاه من نِحيبِ ظِلٍ ذاهبٍ مع الصدى لِحتفٍ لا يُقاوم ..
من قيامةِ ليلِ المنحِ ، تجذبه الحياةُ بِشهقتين تُشعِلانِ رُموزَ حيرَتِهِ وتمضي ..
يُؤرجِحُ ماءَ الفتنةِ على إيقاعِ ناي أغوته مسافةُ الظمأِ ، واللغةُ نهرٌ من ثِمارِ الغي على شجرِ الكلامِ ، اللغةُ كأسٌ من نَبيذِ الرؤى ، اللغةُ حنينٌ عاصِفٌ لِرملِ الأمنيات ..
كصلاةِ الآتين من فُراتِ التيه
سخيٌ هذا الندى على جسرِ الانتظار ، غُرباءٌ يُشيعون أحبتنا على كتفِ الغدرِ ، فما حاجتُنا لهذا الوله والرصاصُ يُصادِرُ ابتسامة الوردِ .
لنا على ضِفةِ النيلِ فراشاتٌ تُهدهِدُ المنفى ، تُقايِضُ التُرابَ بِطلقتين من نحيبِ أسرى يُلاحِقون بِنهاوندِ صبرهم ما جنته الحرب ، والمنفى رصاصٌ يُبدِدُ حلمَ الهويةِ من أول حجرٍ يؤاخي كنائِسَ غزة ومآذِنها .
فـي غزةَ يغفو الندى على سريرِ الأسير وتهتزُ أضلع المُحاربين كأنها كمنجةُ عاشقٍ من سحابِ وطينِ قاسيون ، كأنها نمشُ الغوايةِ على كتفِ ليلِ درعا ، فيمـا حدائقُ المنفى نبيذُ لغةِ المنحِ على أرضٍ تستعِرُ بغدرِ الرصاصِ وبنغـازي ضبابٌ على ضفةِ التأويلِ ، كصلاةِ الآتين مـن فُراتِ التيـه، يُؤرجحون هودج الشُهداء غير عابئين بندى الجنائزِ المختبئ فينا ونحنُ نتلو وصيةَ الذاهبين إلى حتفِ الياسمين .
#غزة_عام_على_الحزن