وجهة نظر
د. طه بعرة: أستاذ القانون
تداولت مواقع التواصل مقاطع مرئية تصور مبالغ مالية من العملة الليبية فئة العشرة دنانير مشار إلى أنها مزورة او يعتقد ذلك، ويظهر عليها إختلاف اللون عند وضعها إلى جانب أخواتها من ذات الفئة اثناء فرزها من قبل أحد المتداولين، والذي حذر من التعامل بها.
من الناحية الجنائية معلوم بأن التزييف جريمة جنائية مخلة بالثقة العامة وبدرجة الجناية، يقوم المجرم من خلالها بتقليد عملة طبق الأصل عن العملة الرسمية المتداولة، بهدف تداولها وغش الغير والحصول على منافع غير مشروعة.
وهي جريمة تنشط في زمن الحروب والخلافات السياسية وقسمة المؤسسات، ونذرة التعامل بالبطاقات الإئتمانية، وضعف السيطرة الأمنية وقلة الإمكانيات الفنية، وتتسبب في أضرار جسيمة بالإقتصاد الوطني والمواطن الفرد.
أمام هذه الحالة تثار عدة تساؤلات من قبل العامة تتعلق بكيفية التعرف على العملة المزيفة؟ وكيفية الإبلاغ عنها؟ وكيفية التصرف فيها؟ وايضاً حول عقوبة تزييفها والإشتراك فيها وتداولها بسوء نية وبحسن نية؟ وهل بالإمكان الإفلات من العقاب عليها وتدارك الخطأ من قبل المزيف نفسه؟ أو الإدعاء بعدم العلم بها؟ وما هو دور الدولة إتجاهها سواء مصرف ليبيا المركزي أو المصارف التجارية أو وزارة الداخلية أو النيابات العامة والمحاكم أو الصحافة والإعلام والمواطن عبر مواقع التواصل الإجتماعي؟
أما عن إمكانيات كشفها الجازمة فهي لا شك عبارة عن أجهزة الكترونية غالبا ما تدمج بالآت عد العملة في المصارف والمحال التجارية الكبيرة، وكشفها بشكل غير جازم يكون يدوياً ويعتمد على عدة عوامل شخصية، منها طبيعة عمل الفرد المرتبطة يومياً بالعملة أم لا، وسنه إن كان طفلاً أو شابا أو كهلاً، وقدراته الصحية إن كان جيد البصر أو ضعيفا، وقادرا على تمييز الألوان أم لا، وايضاً هناك عوامل خارجية مثل مكان إستلام العملة وساعة إستلامها ودرجة الإضاءة ووو.
حيث إنه قد إتفق فنياً على أن التركيز على لون ورق العملة وشكل الكتابة والرسوم وملمس الورقة ووزنها وحجمها وعلامات الضمان فيها، من شأنه تسهيل عملية التثبت من صحتها وكشفها، وايضاً مدى علاقتها بنية المتداول الحسنة او السيئة.
أما المسئولية العقابية عنها فقد خصها قانون العقوبات الليبي بفصل كامل سمي بفصل تزييف النقود، ،ألحق بالباب السابع من ذات القانون تحت الجرائم المخلة بالثقة العامة.
فاقرأ في الفقرة الأولى من المادة (326) عقوبة لسيء النية اقصاها السجن خمسة عشرةعاماً والغرامة، لكل من قلد أو زيف النقود الوطنية المتداولة قانوناً أو عرفاً في البلاد، أو أدخلها من الخارج أو صرفها أو عمل على تداولها.
وأقر في المادة (327) عقوبة لحسن النية الذي تسلم النقد المزيف أو المقلد ثم علم بعيبه وقام بصرفه والتعامل فيه، بعقوبة تخييرية مقدارها الحبس مدة أقصاها ستة أشهر، أو الغرامة التي لا تزيد على ستة أمثال النقد الذي صرفه أو تعامل به.
وفي إطار السياسة التشريعية للحث على إيقاف الجريمة والتراجع عنها، نص القانون في المادة (333) على الإعفاء من العقوبة اذا حال المتهم نفسه دون وقوعها وقبل إكتشافها من قبل السلطات.
ومن حيث الواجبات فإنه لما كان قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005م وتعديلاته، قد خص مصرف ليبيا المركزي في مادته (5 ، 30) بحق وإمتياز إصدار النقد الليبي الورقي والمعدني، والمحافظة على إستقراره، وأقر في المادة (34) مكنة سحب أي فئة من العملة المتداولة وإبطالها بالطريقة التي يراها مجلس الإدارة.
وكحد ادنى أولياً على مصرف ليبيا المركزي أن يعزز الوعي المجتمعي تجاه الفئات المزيفة، وطرق إكتشافها، وكيفية التعامل معها سواء من قبل المواطن عند التداول، أو المصارف التجارية عندما يطلب منها إيداعها، وأن يوسع دائرة التعامل بالبطاقات الإئتمانية ويقلل من عرض العملة التقليدية.
أما على صعيد الجهات الشرطية فإنه على وزارة الداخلية أن تعزز تحرياتها وتعمل على كشف مصادر تزييف العملة أو إستجلابها من الخارج، وضبط المتداول منها، وأن تتعامل مع الأقسام المخصصة لذلك بجهاز الشرطة الجنائية الدولية، وعليها كفالة إحالة المتورطين للجهات القضائية، لتتولى التعامل السريع مع المضبوطات، وإنزال العقوبات الرادعة بحق الجناة، بما يكفل تحقيق ردع عام يمنع تكرارها.
وأخيراً على الصعيد الإعلامي يتعين على الوزارة أو المؤسسات الإعلامية أن تعمل على تعزيز التوعية بالفئات المزيفة وطرق إكتشافها وطرق الإبلاغ عنها من قبل المواطنين، تلافياً للتورط في دائرة الإتهام، و الإضرار بالإقتصاد الوطني والنفس والغير.