بقلم / علي مرعي
ما الذي يحدث في الوطن العربي؟ وهل تحقق الشعوب الثائرة أهدافها في الحرية والديمقراطية ؟ إنه الواقع المأسوي الذي تعيشه بعض الدول العربية في ظل عدم وضوح الرؤى السياسية المرتبطة بحال المواطن العربي الذي بات قلقا على مستقبله في ظل أنظمة لا هم لها سوى التمسك بالسلطة .
أصبحنا اليوم نبحث عن كيفية الخروج من هذه الأزمات المتتالية التي أنتجت واقعا عربيا مريرا، احتجاجات ، مظاهرات ، صدامات مسلحة وغيرها تكتنز في داخلها مفاجآت لا تبشر بالخير، خصوصا وأن الشعوب العربية تعيش منذ زمن طويل حالة من الانتكاسات المتتالية .
لم يعد مستغربا ما نراه وما نسمعه عن توترات هنا واحتجاجات هناك وصدام مسلح في هذه الدولة أو تلك لأن الواقع الحالي المعاش في أغلب الدول العربية بائس ويائس وما يحدث ليس صدفة ، وليس وليد الساعة ، بل أحداث مدروسة وممنهجة لجعل الجسد العربي هزيلا وجامدا لا حراك فيه .
تتوالى الأحداث والأزمات في هذا الوطن المفتت ،مرة بحجة الإطاحة بالدكتاتوريات ومرة بحجة حقوق الإنسان ومرة بصب الزيت على النار بين السنة والشيعة ومرة أخرى بتجميع الحركات الإرهابية من كل مكان لتهديد أركان الدول العربية كما في العراق وسوريا ، كل هذه المخططات الواضحة ما زال قادة هذه الأمة يغضون النظر عما حولهم وكأن شيئا لم يكن .
إن الخوض والتمحيص في حقيقة الأحداث الجارية حاليا على طول وعرض الجغرافية العربية سيدفعنا إلى التساؤل من وراء كل هذه الأحداث ؟ ومن يغذيها ؟ وهل فعلا يقصد من ورائها خير المواطن العربي ؟ بالتأكيد سوف لن نجد أجوبة مقنعة على هذه الأسئلة والتعرف على أسبابها ، باعتبار الحقائق غائبة ومتوارية وهذا بحد ذاته يدفعنا إلى القول أن المنطقة العربية بأكملها سوف لن تكون بمنأى عن الاضطرابات والقلاقل طالما أن هناك تهديدا للكيان الصهيوني مازال قائما .
طيلة السنوات الماضية كانت السياسة المتبعة عند بعض القادة العرب للتخفيف من إخفاقاتهم أن يضعوا اللوم على أعداء وهميين أو كما جرت العادة «نظرية المؤامرة» لإيهام الشعوب العربية أن هناك أخطار تحدق بالوطن العربي وعلينا مواجهتها، في إشارة واضحة إلى إعلان حالات الطوارئ وجعل المواطن العربي البسيط يعيش في حالة من الخوف الدائم
وهو نفسه المواطن اكتشف مؤخرا أن كل هذه السياسات لم يكن لها من مبرر سوى إطالة عمر الأنظمة .
صحيح أن هناك دراسات وأبحاث وأفكار ورؤى وضعت من قبل بعض المفكرين الأجانب للتعامل مع المنطقة العربية من زاوية تعميق الأحداث وإثارة القلاقل والفتن والمشاكل وقد نجحوا بذلك إلى حد بعيد، ولكن من مهد لأفكارهم بأن تكون حقيقة على أرض الواقع؟ وكذلك من ساعدهم على بلورة تلك الأفكار لتتحول من النظريات إلى التطبيق؟ أسئلة تحتاج منا إلى فهم عميق وتحليل موضوعي لنكتشف في نهاية المطاف أن العدو الحقيقي ليس وهميا وليس افتراضيا وإنما نهض من بين ظهرانينا حبا في السلطة والجاه والمال وتسخير كل الإمكانات للبطش والقتل والتعذيب والاعتقالات وأن نظرية المؤامرة التي صدعوا رؤوسنا بها، ما هي إلا كذبة كبرى كان الهدف والغاية منها الحكم .
ولعل السؤال الأبرز الذي يفرض نفسه بعد سلسلة من الثورات، هل تحقق للشعوب العربية ما كانوا يحلمون به من استقرار ورخاء ؟
إن الواقع العربي الحالي يعد أسوأ بكثير مما كان عليه قبل ما بات يعرف بالربيع العربي ،لأن الأحداث المتعاقبة في المنطقة أفرزت صراعات أيديولوجية وطائفية ومذهبية بشكل جلي وواضح إضافة للصراعات السياسية والاقتصادي والعسكرية في بعض الأجزاء، الأمر الذي بات يشكل تهديدا خطيرا على كيان هذه الأمة ، وبالتالي أصبح من الضروري قراءة وتحليل ما يحدث قراءة متأنية ومنطقية للخروج من هذا الواقع المؤلم، بدل انتظار الحلول من المجتمع الدولي الذي لم نألف يوما أنه تدخل لفض النزاعات بل على العكس من ذلك ، وبلفتة متأنية سيتضح لنا أن الدول الكبرى وما تعانيه من نزاعات فيما بينها تغذي الصراعات والحروب في أكثر من مكان، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الإرتكان إليها لتخفيف حدة التوترات ووضع حلول عملية لها .