منصة الصباح
أبو القاسم عمر صميدة
أبو القاسم عمر صميدة

 العاجل والزمن البطىء

نقطة بيضاء

بقلم / د. ابولقاسم صميدة

صعق المشاهد بكلمة عاجل وفورى وعلى الهواء المباشر هي خدع للفت نظر الناس واعتقال لحظتهم وجعلهم أسرى حروب المعلومات كما لو ان بائعا يعرض بضاعته فى السوق وهو يصرخ بأعلى صوته تعالوا فعندى أنا افضل المنتجات ، ألا تبث الشاشات عبارة ( حصرى ) وغير مسبوق ولأول مرة ومباشرة ؟ أنها البضاعة الرخيصة ، فلقد اختصر الخطاب الاعلامى نجاحه في عدد المتابعين والمشاهدين فالناس بالنسبة له ارقام واعداد فقط ، وكل قضايا العالم التى تستعر وتشتعل لا تهمه ، فما يهمه هو العدد ،تلك هى مقاييس رسالة الاعلام السائد ، متناسيا المهنية والهدف ومشاكل الناس ، وهكذا تم اعتقال المشاهد فى معتقلات العاجل والمباشر واللون الاحمر ، لقد كانت كلمة عاجل فى البداية تستخدم لتقديم الحدث الأهم والمفيد ، فالعاجل هو الذى له الاولوية ، الآن ما هو العاجل ؟ ولماذا عاجل ؟ فالخبر الذى يظهر على الشاشة سبق نشره فى منصات التواصل الاجتماعى ، بل ان مصدر العاجل فى بعض الاحيان هو الهاتف النقال ، فما العاجل فيه ؟ والغريب ان هذا العاجل تم كتابته بتأنى وبدون عجلة ، وتم صياغته فى غرفة أو ركن خاص من أجل سلب عقول الناس والسيطرة على افكارهم فمن يسبق اولا فى توصيل وعرض بضاعته سيبيع حتى لو كانت تلك البضاعة كارثية ومتوحشة ، وهنا يتم تصدير المنتج ووضع علامة عاجل لتتلقفه العقول والعيون التى لم تعٌد تتأثر بالعادي والطبيعي والمنطقي ، صار ما يشدها هو العاجل والمثير والغريب ، لقد مضى زمن انتظار الاخبار فى وقت محدد عند بداية النهار او منتصفه او حتى نهايته ، ذلك زمن ولى وانتهى حين كان الناس ينصتون لنشرات الاخبار وهى تبث اخبارها العادية المصحوبة بنغمات ثابته لا تتغير ، الآن تغير كل شىء واصبحت الشاشات واستوديوهات الاخبار مفتوحة ليل نهار كسوبرماركت لا يقفل ابوابه ، وكيف يغلق ابوابه وهو ممتلىء بالبصاعة والمشترون كثر ؟ فكل ما هو مطلوب هو ان يضع اعلانات  للتسويق والتشويق ، وهكذا نرى العاجل والمباشر كنمط تسويقى اعلانى للاخبار التى تخدم طرفا او جماعة او فريقا ، انه منعطف جديد فى عالم الاعلام ، لكن المشكلة هى ان هذا العاجل لا يخضع لمنطق ولا قانون ولا قيم وهو غير مفيد ، وبالتالى تكون له انعكاسات سيئه على المتتبع البسيط الذى يثق فى ما يقرؤه وخصوصا اذا كان ملفوفا باللون الاحمر الذى يرافق العاجل ، وهنا يٌعامل عقل الانسان المتلقى كعقل الكائنات التى يثيرها اللون الاحمر والتى تندفع باقصى قوة وتنجذب نحوه ، ألا تنجذب الثيران الى اللون الاحمر لينقض عليها مصارعو الثيران ويغرزوا سيوفهم فى اعناقها ؟ فهذا ما ينتج عن العاجل وهى السيطرة على العقول ، بقى ان اشير الى ان المباشر كان علامة على ان المادة التى يتم مشاهدتها هى لحدث يحدث فى ذات الوقت كمباراة فى كرة القدم لتمييزه عن حدث تم فى وقت سابق ، اما الآن فإن المباشر والعاجل اصبحت عناونا للتسويق والاثارة وجلب اكبر عدد من المتابعين ، وهكذا فالاعلام الرصين عليه ان يعرف كيف ينجح فى تقديم نفسه بعيدا عن الاساليب الرخيصه.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …