الصحة زمن الأزمات والكوارث
د.علي المبروك أبوقرين
تمر منطقتنا والعالم منذ آكثر من عقد ولازالت بأزمات وكوارث مختلفة ، بدأً بصراعات هنا وهناك تطورت بعضها لحروب مدمرة ، ولازالت تعاني منها بعض المناطق في دولنا العربية وغيرها ، وتفاجأ العالم بوباء الكورونا والذي أستمر لأكثر من ثلاثة أعوام ولازال بأقل حدة ، ولازالت أثاره ومضاعفاته وسوف تستمر لوقت طويل ، وتعرضت بعض من دول المنطقة لزلازل مدمرة لقرى وبلدات ومدن راح ضحيتها الآلاف ، زيادة عن الاثار السلبية للتغيرات البيئية والمناخية التي نعيشها من جفاف وتصحر في مناطق ، وفياضانات وعواصف في مناطق أخرى ، وكلها لها تأثيراتها السلبية والخطيرة على الصحة ، مما يستوجب إعادة النظر في النظم الصحية بمنطقتنا العربية ، لتكون أكثر تأهب وإستعداد وتجاوب للأزمات والكوارث الطبيعية والصحية وغيرها من صراعات وحروب وأزمات .
وهذا يتطلب إعادة تأهيل القوى العاملة الصحية جميعها طبية وتمريضية وفنية وإدارية وكل من له دور مباشر أو غير مباشر في الخدمات الصحية ، بوضع البرامج التعليمية والتدريبية المكثفة والمتخصصة والمستمرة في التعامل مع كل أنواع وظروف الأزمات والكوارث والطوارئ..
وإعادة النظر في الهياكل التنظيمية لكل المرافق الصحية من أصغر مؤسسة طبية إلى قمة الهرم في القطاع الصحي وتضمين كل ما يخص التعامل مع الأزمات والكوارث والطوارئ مهما كانت أسبابها ونتائجها ، وضرورة مراجعة كل البنى التحتية للنظم الصحية ومؤامتها مع المعايير الانشائية والتشغيلية الدولية لضمان مقاومتها لكل الكوارث والازمات . وتوزيعها الجغرافي ومدى ملائمتها للتوزيع الديموغرافي ، وإمكانية الوصول اليها بسهولة ويسر وسرعة لضمان التأهب والاستعداد ، والاستجابة لكل الكوارث والأزمات .
وضرورة تأهيل كل المرافق الصحية في الهياكل والبناء والخدمات والمهام والإدارة ، والقوى العاملة ، لضمان المرونة في التحول والاستجابة السريعة للتعامل مع النتائج المترتبة عن كل أنواع الأزمات والكوارث والطوارئ ، مع ضرورة تصنيف وإعتماد كل القطاع الاستشفائي ، بما يتؤام مع سرعة الإحالة والإخلاء الطبي من المواقع المتضررة إلى المستشفيات وبين المستشفيات وبعضها ، مع وضع السياسات والآليات والنظم التشغيلية لضمان المخزونات الإستراتيجية وسلاسل الإمداد الطبية واللوجستية والتموينية . وتأهيل المرافق الصحية أو بعضها بما يجعلها قادرة على سرعة إنشاء وتشغيل مستشفيات ميدانية موازية لها دون الإخلال بطبيعة العمل المعتادة ، اسوة بما معمول به ببعض الدول المتقدمة في مجال الإسعاف والطوارئ.
وضرورة مراجعة التشريعات والقوانين والتشديد على حماية جميع المرافق الطبية والصحية وحماية كل القوى العاملة الصحية والمرضى وتحصينها من الاعتداء والنهب والسلب والسرقة والتدمير وحماية قطاعات الإسعاف والإنقاذ وفرق الحماية والإخلاء الطبي للجرحى والمصابين والجثث ، وعدم التعرض لهم وسرعة تأمين الممرات الآمنة لهم . وللإمدادات اللازمة للمرافق الصحية .
و يجب تضمين وإعتماد جميع السياسات الصحية مع جميع السياسات القطاعية للحكومات المحلية ، وإعتماد موازنات مالية سنوية للطوارئ ، ووضع إستراتيجيات وبرامج وخطط واضحة ومحددة تنفيذية وأخرى بديلة للتعامل مع جميع أنواع الأزمات والكوارث مهما كانت أسبابها ونتائجها وتعقيداتها .
وهذا يتطلب إدارة مؤهلة معنية بالأزمات والكوارث والطوارئ. ومنظومات تواصل وتنبيه تغطي كل البلاد وتصل لكل العباد ، وبيانات متكاملة على السكان والارض والبيئة ، والتهديدات وطبيعتها ، وآثارها ، وامكانيات غير منقوصة للتعامل الأمثل مع الازمات والكوارث.
ومن التجارب المريرة التي مرت بالمنطقة يستوجب العمل على زيادة ومضاعفة القوى العاملة الصحية المؤهلة ، وزيادة السعة السريرية بما يتناسب مع السكان وتوزيعهم ، والعمل على ضرورة الاكتفاء الذاتي محليًا من كل أو ما بالامكان لما تحتاجه النظم الصحية من أدوية ومستلزمات ومعدات ومواد تشغيلية وتموينية ولوجستية وقوى بشرية مؤهلة .
وضرورة بذل الجهد الأكبر من جميع المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة لنشر التوعية المجتمعية عبر كل الوسائل المتاحة مع وضع الضوابط اللازمة القانونية والإجرائية لحماية المجتمعات من الأخبار والدعايات المضللة والضارة بصحة وحياة الناس .
ولما للأزمات والكوارث من أثار تتخطى الحدود كأنتشار الأوبئة والأمراض ، والنزوح واللجوء في حالات الصراعات والحروب والكوارث الطبيعية مما يتطلب التعاون المشترك مع المؤسسات الدولية ذات العلاقة والاختصاص ، والتعاون الإقليمي بين الدول وبعضها والتعاون الدولي لحماية الناس والبيئة من الكوارث والازمات وأثارها…
حفظ الله بلادنا وأمتنا والعالم والإنسانية كافة ..
د.علي المبروك أبوقرين عضو المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية، وعضو اللجنة الفنية الاستشارية لمجلس وزراء الصحة العرب