الصحة والزلازل
د.علي المبروك أبوقرين
الزلازل والهزات الأرضية والإرتدادية التي تعقبها ،ليست لها مواعيد محددة ، ولا تنبؤات ولا قياسات مسبقة .. وتعتبر الزلازل من أكثر الكوارث الطبيعية رعبًا وتدميرًا وتؤدي إلى أضرار جسيمة ، وخسائر فادحة في الأرواح ، وتسبب أضرارا بيئية كبيرة ، وتدمير للبنية التحتية والمساكن والمرافق الحيوية ومنها الصحية ما يعوق وصول ضحايا الزلزال إلى الخدمات الصحية. وتسبب الزلازل في تشريد السكان وما ينجم من الاكتظاظ للناجين وفوضى وخوف ورعب وهلع ، وكلما كانت الزلازل واسعة النطاق زادت حالات الإصابات المميتة ، والظروف المواتية لتفشي الأمراض والاوبئة ، والتهديدات الصحية ..
والاستجابة للطوارئ في الوقت المناسب أمر بالغ الأهمية للحد من الأضرار والإصابات ، والتوجيه السليم لجهود الإغاثة يستوجب وجود أجسام منوطة بخدمات الطوارئ والإسعافات والإنقاذ والإخلاء الطبي بإداراتها ونظمها وسياساتها وإستراتيجيتها الواضحة ، وفرقها المؤهلة تأهيلا عاليا ، لجمع المعلومات ، وتقييم الأضرار في اللحظات الاولى لحدوث الزلازل ، وتحديد الخسائر في الأرواح، وتحديد الاحتياجات اللازمة للخدمات الصحية للناجين وإدارة الظروف الحرجة للإصابات ، وتقييم جميع المرافق الصحية في المناطق المتضررة ، وتحديد الآمنة منها والمتاحة لتقديم خدمات الطوارئ ، وتحديد المناطق التي تحتاج للخدمات الطبية لضمان وصول فرق الإنقاذ والإخلاء الطبي ، مع ضرورة توفر نظم المعلومات الجغرافية وجمع السمات الجيومورفولوجية لمناطق الزلزال والبارامترات الزلزالية ، واستخدام بيانات الاستشعار عن بعد عالية الدقة قبل الزلزال وبعده ، وتحديد المناطق المعرضة لتفشي الأمراض مع ضرورة تحديد الأماكن الآمنة والصحية للتوطين المؤقت للناجين وتقديم كافة الخدمات الصحية لهم .
ووضع السيناريوهات المحددة للتعامل مع الإصابات في الموقع وساعات الإخلاء وبالمستشفيات المعنية حسب التصنيف المعد من قبل إدارة الطوارئ وفق تصنيف الإصابات وتوجيه الحالات الحرجة للمستشفيات المصنفة متقدمة ، مع ضرورة توفر الخطط والسيناريوهات للإحالة السريعة لجهات ومناطق اخرى بالآليات العلمية الصحيحة في حال عدم قدرة المرافق الصحية المحددة لاستقبال الإصابات في المناطق المتضررة ، مع تأمين سلاسل الإمداد الطبي والدم ومشتقاته ،
وهذا يتطلب من الأنظمة الصحية مراجعة نظمها والاستفادة من التجربة القاسية التي مرت بها بلدان ومناطق اخرى في العالم ، والتي تتطلب إعادة النظر في مدى قدرة النظم الصحية للاستجابة السريعة للتعامل مع الزلازل والكوارث الطبيعية وأثارها ، ومراجعة السياسات والاستراتيجيات والخطط والبرامج الخاصة بالطوارئ المعنية بالزلازل والكوارث الطبيعية ،
وهذا يتطلب أولاً وضع وإعتماد المعايير الزلزالية للمرافق الصحية في البناء والتجهيز والتشغيل ، ومراجعة جميع المستشفيات والمراكز الصحية والمرافق الطبية وإمكانية مؤامتها مع المعايير الزلزالية ، واشتراط المعايير هذه على جميع المرافق المستحدثة والجديدة لأي من كانت تبعيتها ، وضرورة ربط جميع السكان ببياناتهم الصحية الكاملة بالمرافق الصحية المنوطة بتقديم الخدمات لهم ، والاهتمام بخدمات الإسعاف والطوارئ وتجهيزها بالمعدات اللازمة مع التدريب والتأهيل المستمر ، وتوفر وسائل النقل البري المجهزة والتي تستخدم في كل الظروف السيئة كالفيضانات والأمطار والثلوج والانهيارات الارضية وغيرها ، ووسائل النقل الجوي المجهز لنقل المرضى والمصابين ، وتوفير المستشفيات الميدانية بكل تجهيزاتها التي تمكنها من تقديم الخدمات الصحية العاجلة ، وحيث ان القوى العاملة الصحية بجميع فئاتها وتخصصاتها هم وعائلاتهم من سكان المناطق المتضررة أو المعرضة لمخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية ، ولهذا على النظم الصحية أن تضع الاستراتيجيات والخطط والخطط البديلة لتعويض النقص والفاقد ، وتقديم الدعم والمساندة للمرافق الصحية بالمناطق المتضررة ، وضرورة الجاهزية للتعامل مع جميع الظروف الصعبة التي تنجم عن الزلازل المدمرة ، ومنها تلوث مياه الشرب ، وتدمير منظومات الصرف الصحي ، وانقطاع الكهرباء والمياه وغيرها ، بالتنسيق مع الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية ، وفي حالة حدوثها على إدارة الازمة بالمنظومة الصحية أن تكون قادرة على تحديد إحتياجاتها وأولوياتها من كل مايلزم وبدقة سواء من مالديها أو بطلب المساعدات الخارجية .
إن أثار زلزال مدمر في ثواني معدودة تحتاج لسنوات عديدة لتأهيل الناجين جسديًا ونفسيًا وإعادة الاعمار ..
والأهم هو التخطيط للتأهب قبل الزلال والكوارث والاستجابة لحالات الطوارئ بعد الزلازل..
حفظ الله بلادنا وشعبنا