تقرير/ مصطفى الفرجاني
زخم دبلوماسي يعكس إرادة سياسية متجددة
تشهد العلاقات الليبية-التونسية منذ مطلع عام 2025 حراكاً دبلوماسياً متسارعاً، يعكس تحوّلاً نوعياً في مسار التعاون الثنائي بين البلدين. ففي غضون أسابيع من شهر فبراير الجاري ، استقبلت تونس وفوداً ليبية رفيعة المستوى، شملت وزراء الخارجية، والمواصلات، والشؤون الاجتماعية، والشباب، إضافة إلى مسؤولين بارزين من مصلحة الجمارك، وجهاز الخدمات العلاجية، والإسعاف الطائر، وجهاز المباحث. هذا الزخم لم يكن وليد المصادفة، بل جاء ضمن سياق سياسي واضح يعكس رغبة الجانبين في تجاوز التحديات السابقة، وإعادة صياغة العلاقة وفق رؤية شاملة، ترتكز على المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.
رهانات أمنية واقتصادية: أفق جديد للتعاون
إذا كانت الملفات الأمنية تمثل تقليدياً محوراً أساسياً في العلاقات بين البلدين، فإن التحركات الأخيرة تفتح الباب أمام مقاربة أكثر شمولية، تستهدف ليس فقط تعزيز التنسيق الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، بل تمتد أيضاً إلى توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والاستثماري. فمع سعي تونس إلى استقطاب رؤوس الأموال والشركات الدولية، تبدو ليبيا شريكاً طبيعياً في هذا المسعى، نظراً لحجم التبادلات التجارية بين البلدين، والتداخل الحيوي بين قطاعاتهما الاقتصادية.
وتشير التوقعات إلى أن هذه الزيارات قد تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات، لا تقتصر على الجانب الأمني، بل تشمل أيضاً تسهيل الاستثمارات الليبية في تونس، وتطوير آليات أكثر مرونة لتعزيز التكامل الاقتصادي، بما يخدم الأجندة التنموية للبلدين.
التجارة والمعابر الحدودية: بين التحديات والحلول
الحدود بين ليبيا وتونس لم تكن يوماً مجرد خطوط جغرافية، بل كانت دائماً شرايين اقتصادية حيوية تنبض بالحركة اليومية للمسافرين والبضائع. ومع ذلك، فإن العقبات الإدارية والإجراءات المعقدة كثيراً ما شكلت عائقاً أمام انسيابية العبور.
في هذا السياق، عقد وفد من مصلحة الجمارك الليبية اجتماعاً موسعاً مع مسؤولي الديوانة التونسية، لمناقشة جملة من القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط التجارية، أبرزها تسهيل حركة المسافرين، ومعالجة إشكاليات الأموال الليبية المصادرة، وتسجيل المركبات الليبية، فضلاً عن تيسير التجارة عبر معبري رأس جدير وذهيبة. ووفق مصادر رسمية، فإن الاجتماع وضع خطوطاً عريضة لحلول عملية، تهدف إلى تقليص العراقيل الإدارية، وتحقيق توازن بين ضرورات الرقابة الأمنية ومتطلبات تسهيل التبادل التجاري.
استكمال القرارات السابقة: نحو التأسيس لمرحلة مؤسسية جديدة
لا يمكن فهم هذا الحراك بمعزل عن السياق السياسي العام لحكومة الوحدة الوطنية ، حيث تأتي هذه التطورات في إطار تنفيذ القرار رقم (26) لسنة 2024، الصادر عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، والذي ينص على تشكيل لجنة متخصصة للنظر في شكاوى المسافرين الليبيين إلى تونس. هذه الخطوة، التي توحي بجدية متابعة حقوق المواطنين في البلدين.
ختاماً: هل نحن أمام تحوّل استراتيجي؟
على الرغم من تعقيدات المشهدين الليبي والتونسي، فإن المؤشرات الراهنة توحي بأننا أمام مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، فالتحديات الأمنية لم تعد منفصلة عن الملفات الاقتصادية، كما أن المصالح المشتركة أصبحت تفرض نفسها كأولوية على أجندة صناع القرار في البلدين.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل سينجح هذا الزخم الدبلوماسي في ترجمة التفاهمات إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، أم أن التحديات الداخلية في كلا البلدين ستعيد عقارب الساعة إلى الوراء؟ الإجابة ستكشفها الأشهر القادمة، لكنها بلا شك ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة البلدين على تجاوز إرث الأزمات نحو شراكة أكثر تماسكاً واستدامة..