مفتاح قناو
نواصل حديثنا هذا الأسبوع عن رواية الشاطئ الرابع للكاتبة البريطانية فرجينيا بايلي ومن ترجمة الكاتب الليبي فرج الترهوني.
تكاد الرواية أن تكون مسح اجتماعي أو دراسة انتربولوجية للمجتمع الليبي في ذلك الزمن، حيث تقدم الرواية تفاصيل الحياة اليومية الليبية من عادات وتقاليد، مع وصف تفصيلي ودقيق للأكلات وطريقة ارتداء الملابس، وأنواع الحرف، وتسميات الأسواق في المدينة القديمة كما يحتوي السرد الروائي على تفاصيل أسماء الشوارع ودور السينما ومسالك الطرق التي تقطعها العربات من ميدان الكاتدرائية الذي يسمى اليوم ميدان الجزائر حتى الباب الجديد، وتسميات الأزقة في المدينة القديمة، وقد فوجئت بأن الكاتبة لم تزر طرابلس مطلقا، فليس من السهل معرفة هذه التفاصيل التي يجهلها كثير من الليبيين فعلى سبيل المثال هناك فصل عنوانه المقهى الشرقي، تصف الكاتبة بكل دقة المكان الذي يسمى حاليا (مسرح الطفل والشباب بسوق الترك) وهو الذي كان بالفعل في العهد الايطالي مقهى شرقي به عازفون وتخت للموسيقى الشرقية
نعود للرواية وأبطالها فنجد بطل الرواية الشاب الايطالي من عامة الايطاليين الفقراء قد جاء إلى ليبيا من أجل الحصول على فرصة عمل بصفته فني صيانة سيارات السباق، فهو فقير معدم لا يملك لا أموال ولا نفوذ، تتحسن أحواله كلما أقيم سباق السيارات الدولي في موعده، ويعاني الفقر والحاجة مع توقف أو تعطل هذا السباق، أنه يقيم في بيت وسط الليبيين بالمدينة القديمة يتزوج من ليبية ويشارك الليبيين همومهم ويتعاطف معهم، وتأتي أخته لزيارته وقد امتلئ رأسها بالدعاية الفاشية الايطالية، لكنها تكتشف من خلال حياتها وعلاقاتها الاجتماعية في الوسط الايطالي مدى بشاعة المنتمين للحزب الفاشي الايطالي واحتقارهم لأبناء البلاد الأصليين وبشكل خاص الطيار اوغو الذي يحتقر السكان المحليين يقتل ويعذب ويفعل ما يشاء بهم دون حسيب آو رقيب.
طرح هذه الرواية في هذه الفترة والليبيون يواصلون تدمير بلادهم يعطينا تصور على إمكانية وجود مقارنة بين ما كان يحدث في ليبيا في ثلاثينيات القرن العشرين وبين ما يحدث اليوم، في ذلك الزمن كانت الفاشية الايطالية تقتل المواطنين الليبيين، لكنها في المقابل كانت تبني المدن الليبية تشق الطرق وترفع البنايات وتقيم المصانع والمزارع الكبرى ليس من اجل الليبيين بطبيعة الحال، بل هو من اجل أحلام الدوتشي والحزب الفاشي الايطالي في إنشاء شاطئ رابع لروما سيبقى تابع لهم إلى الأبد، بينما يقوم الليبيون اليوم بقتل بعضهم البعض وتدمير بلادهم دون بناء وتنمية وهذا ما يعتبر مواصلة للحرب الفاشية تحت المسمى الجديد (حروب الجيل الرابع) أخيرا هذه رواية ليبية بامتياز، وإن كانت كاتبتها غير ليبية.