لطالما عرفت التمارين الرياضية بفوائدها الجمة في الوقاية من الأمراض المزمنة، لكن دراسة حديثة وغير مسبوقة نُشرت في دورية New England Journal of Medicine تكشف عن علاقة “قوية” ومباشرة بين ممارسة الرياضة وتحسين نتائج علاج مرضى السرطان، مؤكدةً أن النشاط البدني لا يقلل فقط من خطر الإصابة بالمرض، بل ويُسهم في إطالة أمد البقاء على قيد الحياة دون عودة له.
نتائج ثورية: الرياضة تحارب عودة المرض وتخفض الوفيات
تُعتبر هذه الدراسة هي الأولى من نوعها كتجربة عشوائية محكومة تُظهر أن التمارين الرياضية بعد علاج السرطان يمكن أن تقلل من احتمالية عودة المرض وتُحسن فرص البقاء على قيد الحياة. هذا ما أكدته الخبيرة الطبية لدى CNN، الدكتورة لينا وين، طبيبة الطوارئ والأستاذة المساعدة في جامعة جورج واشنطن.
شملت الدراسة نحو 900 مريض من 55 مركزًا لعلاج السرطان في 6 دول، جميعهم خضعوا لعلاج سرطان القولون من المرحلة الثالثة أو الثانية عالية الخطورة. يُعد سرطان القولون مرضًا خطيرًا، حيث يعود لدى نحو 30% من المرضى حتى بعد العلاجات القوية، مما يؤدي إلى وفاة العديد منهم.
تم تقسيم المرضى عشوائيًا إلى مجموعتين:
المجموعة المرجعية: تلقت التثقيف الصحي القياسي الذي يروج للطعام الصحي والنشاط البدني، وهو ما يُعتبر معيار الرعاية الحالي للمرضى في مرحلة الشفاء.
مجموعة التمارين المنظمة: شاركت في برنامج تمارين منظم شمل العمل مع مدرب صحي وجلسات تمرين تحت الإشراف.
تمت متابعة المجموعتين لمدة 8 سنوات في المتوسط. النتائج كانت مذهلة:
شهد 131 مريضًا في المجموعة المرجعية عودة للسرطان، مقارنة بـ 93 مريضًا فقط في مجموعة التمارين الرياضية.
توفي 66 شخصًا في المجموعة المرجعية، مقابل 41 شخصًا فقط في مجموعة التمارين الرياضية.
هذا يعني أن الأشخاص في مجموعة التمارين المنظمة شهدوا انخفاضًا بنسبة 28% في خطر الإصابة بالسرطان مرة أخرى أو تطور أنواع جديدة، وانخفاضًا بنسبة 37% في خطر الوفاة خلال فترة الدراسة. تؤكد الدكتورة وين أن هذه الدراسة، بفضل منهجيتها الصارمة، تُعد حاسمة وتُبرز ضرورة إدراج التمارين الرياضية كجزء أساسي من العلاج الشامل لمرضى السرطان.
تحول محتمل في بروتوكولات علاج السرطان
ترى الدكتورة لينا وين أن نتائج هذه الدراسة لديها القدرة على إحداث تغيير كبير في بروتوكولات علاج السرطان. ففي الوقت الحالي، يُنصح المرضى بممارسة الرياضة بعد العلاج، لكن قليلين هم من يحصلون على إرشاد متخصص. وتأمل وين أن يتغير هذا الأمر، وأن يتم التركيز على ضرورة ممارسة “التمارين الرياضية” ومتابعة مقدمي الرعاية الصحية لنشاط المرضى البدني.
كيف تُقلل الرياضة من خطر السرطان؟
تشير الدكتورة وين إلى أن الدراسات السكانية أظهرت منذ فترة طويلة وجود علاقة بين النشاط البدني المنتظم وانخفاض خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان. وتُعزى هذه الفوائد لعدة عوامل:
الحفاظ على وزن صحي: تساعد الرياضة في مكافحة السمنة، التي تُعد عامل خطر رئيسي لبعض أنواع السرطان.
تنظيم الهرمونات: يُعتقد أن التمارين الرياضية تساعد في تنظيم بعض الهرمونات المرتبطة بتطور السرطان.
تقليل الالتهابات: تقلل الرياضة من الاستجابات الالتهابية في الجسم، والتي قد تساهم أيضًا في الإصابة بالسرطان.
كم نحتاج من التمارين؟ ونصائح للبدء
توصي المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بأن يمارس البالغون ما لا يقل عن 150 دقيقة من التمارين متوسطة إلى عالية الشدة أسبوعيًا. هذا يعادل حوالي 30 دقيقة، 5 مرات في الأسبوع، من أنشطة مثل المشي السريع، الجري، أو السباحة.
تؤكد الدكتورة وين أن الفوائد تراكمية؛ أي لا يلزم القيام بالتمارين دفعة واحدة. وللأشخاص الذين يجدون صعوبة في تخصيص وقت طويل، يمكنهم دمج النشاط البدني ضمن روتينهم اليومي، مثل استخدام السلالم بدلًا من المصعد. “التغييرات الصغيرة تُحدث فرقًا كبيرًا”، كما تقول وين.
وتنصح الدكتورة وين الراغبين في بدء برامج التمارين بأن “هناك فائدة كبيرة حتى لممارسة النشاط البدني لفترة قصيرة، إذ يمكن التفكير في ممارسة نشاط لفترات قصيرة لا تتجاوز 15 أو 30 ثانية”.