جمعة بوكليب
زايد…ناقص
حين صدرتْ روايته الأولى(خبزُ على طاولة الخَال ميلاد) منذ سنوات قليلة مضت، صار اسم مؤلفها محمد النعاس، بين يوم وليلة، على كل لسان في الساحات الثقافية العربية.
في الآونة الأخيرة، صدرت روايته الثانية( العراكُ في جهنّم) فلم نقرأ أو نسمع عنها إلا عَرضاً، أي من باب العلم بالشيء، وربما لأن كاتبها فائز بجائزة البوكر العربية للرواية لاي صحُّ تجاهله. لكنّي شخصياً لم أقرأ عنها مقالة واحدة تليق بها وبكاتبها. وبالتأكيد، أصبت بإحباط أكثر بعد أن أتيحت لي فرصة قراءتها، كونها، في رأيي، عملاً روائياً حافلاً بالعجائب.
جائزة البوكر للرواية العربية لها شَنّة ورنّة، ليس في العالم العربي فقط بل حتى في العالم الغربي. الأمر الذي لا يختلف حوله عاقلان. ومحمد النعاس هو الكاتب الليبي الوحيد الذي تمكن من اختراق الموانع الحواجز،والوصول أولاً إلى خط نهاية السباق بجدارة. لكن الجائزة الكبيرة والعظيمة لم تشفع للرواية بالتداول في ليبيا حتى الآن!!!!!!!
الجائزة بسبب الشهرة التي تضفيها على الفائزين وعلى الروايات الفائزة، لا يعني في ذات الوقت أن ما يصدرونه من مؤلفات فيما بعد ستحظى بنفس شهرة الروايات الأولى الفائزة، إلا من رحم ربي منهم، ومنحه موهبة استثنائية وحظأً أكثر استثنائية. هل هذا يعني أن رواية محمد النعاس” العراك في جهنم” ليس في جمال وروعة روايته الأولى ؟
جوابي على السؤال يتكوّن من شَقّين:
الشق الأول يؤكد على أن الروايتين مختلفتان شكلاً ومحتوىً. وفي ذات الوقت يؤكد ذلك الاختلاف على أن محمد النعاس روائي موهوب جداً، وقادر على تقديم كتابة روائية ماتعة، ولا يتوقف في البحث عن أساليب روائية جديدة، وخوض مغامرة التجريب. وهو، كل يوم يمر،يزداد نضجا بعالم الكتابة الابداعية واخلاصاً وتكريساً. أيضاً، الاختلاف لايلغي حقيقة أن الأولى من الروايتين، في رأيي، أوفر حظاً من الثانية في قدرتها على توفير المتعة وشد الانتباه، وقد يرجع السبب في ذلك إلى طبيعة موضوعها ودراميته، وتعقيداته الاجتماعية المتشابكة، ثم فوزها بالجائزة.
الشقُّ الثاني يرى أن الرواية الثانية” العراك في جهنم” تَحتْ إلى التعامل مع موضوع سياسي عبر أسلوبالسخرية السوداء. وكشفت بجمال وسخرية، مُضحكة مُبكية، مهازل العقود الأربعة التي عاشتها ليبيا تحت حكم الاستبداد.
أسلوبُ السخرية قديمٌ وشائعٌ في السرد العربي والعالمي عموماً. وإذا صدق حدسي، يمكن بشيء من التدقيق ملاحظة ظل الكاتب المرحوم الصادق النيهوم يحوّم من بعيد على النصّ. إلا أن ذلك لا يحرم الرواية من حقها في كونها رواية ماتعة مكتملة الأركان.
النجاحُ من عدمه جماهيرياً، لا يقف مانعاً أمام الرواية الثانية من حقيقة أنها انجاز روائي آخر، يضاف إلى المكتبة الروائية الليبية، بما تحتويه من سرد روائي ماتع وساخر، وشخصيات ليبية مسحوقة وجدت نفسها تعيش في قرية اسمها جهنّم، في زمن القائد الأوحد وجماهيريته الغرائيبية. الرواية تسجل، بسخرية مُرّة ومضحكة في آن معاً، صراعاً دام ثلاثة أشهر،على رئاسة أمانة شعبية في قرية اسمها جهنّم، بين بائع بوخة وعقيد في الجيش، أُسِر في حرب تشاد، وأخفق أمنياً فيما بعد، في منع خلية معارضة من القاء قنبلة تحت قدميّ القائدفي احتفال شعبي، فعوقب بالتهميش والعيش في جهنّم.الصراع بينهما يقود إلى انقسام القرية إلى فريقين متعاديين، وإلى وقوع حروب وكوارث، وينتهي بانتصار فريق بائع البوخة، في نهاية أكثر غرائبيبة من جماهيرية القائد الفريدة.
يبدو أنّه حتى الروايات بخوت.