منصة الصباح

الرجل المغناطيس للشاعر التونسي صبري الرحموني ” اقْرأْ كي تَبتَعِدَ عن الظّلمةِ لا كي تقتربَ من النّور ”

بقلم /محمد الهادي الجزيري

قصيدة النثر ..هذه الموغلة فينا ..في حياتنا المعاصرة ..تتفشى يوما بعد يوم في كلّ شيء حميمي وقريب جدّا من دواخلنا وبواطننا وحتّى كوابيسنا ..لقد قبلها دعاة الكتابة بالوزن مع مرور الزمن..واليوم صارت عروسا تتصدّر المشهد الشعري ..ولا ترضى إلا بهذه المكانة التي افتكّتها عنوة وغصبا بفضل ما قدّمته من أفكار ثورية للساحة الشعرية العربية ..وها إنّي بصدد التهام اللحم المرّ/ اللذيذ لطاقة إبداعية تونسية اسمها صبري الرحموني وكنيتها الشاعر الباحث عن عشبة المعنى ..، إنّه من جيل يريد المستحيل ..
افتتح البوح الشعري بسيرة ذاتية تتعلّق بعائلته ..وقد استهلّها بجدّه الذي كان الفرح ..جمع كلّ شيء جميل وطريف في شخصه ..وكذلك الأب الذي كان أوّل من طيّره إلى الفضاء وتلقفه بيديه الخشنتين ومازال يخطر بشدّة على بال الشاعر ..خاصة حين يوزّع راتبه على أفواه الدائنين ..فيردّد في سرّه ” أنتَ ومالك لأبيك ” ..ثمّ يصل بنا صبري الرحموني إلى أهمّ محطة قادته الحياة ألا وهي الأمّ ..فلبّسها ثوب ومعنى واسم ” الحرّية ” وأسغب عليها الصفات والنعوت العظيمة فهي التي كانت كامنة خلف كلّ حافز للنضال ..يقول الشاعر عن أمّه:
أمي هي الحُرية
كلُّ صفعة في مخفر و تنهيدةٍ في سجن, كلُّ مُحتَجَزٍ في الحدود و مرفوضٍ في سفارة, كانوا كُلُهم ضربات إزميلٍ تَنحَتُ رُخامَ جسدي في رَحِمِها. وما أنْ أكملَتْ تُحْفَتَها حتى قَبَضَتْ على شوكِ الفلاة و أنْزَلتني هادرا, رافعا علامة النصر وهي تقول
انطلق أيُّها الغامض
انطلق أيُّها الحُر

مانيفستو الرجل المغنطيس هو الفصل الثاني للكتاب..، وجمع فيه الشاعر كلّ ما يحوم في سماء الكتابة ..قلق..وحشة ..صبر طويل..صداع رهيب..حمّى تتمكّن من الجسد والروح.. خلاصة تكلّم في أسباب الكتابة وظروفها ..وسأحاول أن أقرأ بعض الأسطر التي مسّتني وحرّكتني
” إذا لم تَجِدْ ما تكتُب، أكتُبْ ما لم تَجِدْهُ ”
قدر الشاعر هو الكتابة ..فمن يدعو إلى الصمت ..يدعو إلى الموت..فصديقنا صبري يعي تماما أنّ عليه أن يكتب ما لا يجده ..، فلا داعي لأصوات الضعفاء النائحين على عدم توفّر موضوع للكتابة ..فيكفي أنّك حيّ وتتنفّس ..يعني أنّك موضوع جاهز للكتابة والتمحيص والتفكير ..والتفجير إن لزم الأمر
” إنَّ صمتَ الشاعر ظلامٌ يُعْمِي الطَيْرَ ”
صدق الفتى في ما ذهب إليه ..فلا شيء يربك المشهد بطيوره وكائناته جمعاء مثل صمت الشاعر أو بكمه ..فلا حادي إلا هو ..ولا دليل ولا اتّجاه
لا تصادق كُتَّابًا
و لا تهجرهم
كن معهم كضوء بعيد في صحاري موحشة
ما أجمل هذا الوصف الدقيق …نعم كن شاعر الشعراء
..
وأختم ” ما نيفستو الرجل المغنطيس ” بالقصيدة ..فقد لخّصها كأبهى ما يكون ..وإن في التلخيص حدّة وعنف ..فهي نحن بخساراتنا وإخفاقتنا ..هي حقيقتنا الدامغة وإن لم تصب أحدا أو هدفا ..تبقى مستلّة من خلايانا وأفكارنا ..، فأقول لك يا قارئ الافتراضي ..أطلقها ولا تخف منها ..لا تخف من نفسك…

أطلِقها ولا تَخَفْ
أطلِقها كما هي
نجمةً مُعلقَةً لا تطالها الأيادي أو روثَ بعيرٍ
نَصْلاً ذابِحًا أو رصاصَةً
أطلِقها وإن لم تُصبْ هدفاً
أطلِقها وإن كانت بَصْقَةً مقزِزة
في النّهايةِ هي أنتَ
و أنت لا تستحي من عبور الشارع

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …