منصة الصباح

شخصية الدكتور نازل

شخصية الدكتور نازل

محمد الهادي الجزيري

في نادر المرّات أجد نفسي وجها لوجه مع مجموعة قصصية ، شبيهة بالرواية أو تتخلّلها شخصية دائمة وترد على ألسنة أناس معروفين أو نكرات ..تربطهم صداقة أو معرفة أو قرابة ما بالشخصية الرئيسة ، بل يندسّ الكاتب لحما ودما وفكرا في إحدى منعرجات القصص التي قلت أنّها شبيهة بنصّ واحد مترابط ..تجمعها ( شخصية الدكتور نازل )، ففي فاصل بعنوان ” أصدقاء ” يتدخّل طالب الرفاعي ويقوم بدور السارد ، ونقرأ ما يلي :

” اقترب شابّ بوجه مألوف لي، وسلّم عليّ وكلّمني بنبرة هادئة : أستاذ طالب، مساء الخير، علمت من الأستاذة ليلى العثمان أنّك تكتب مجموعة قصصية عن الدكتور نازل …”

أعتقد أنّ شخصية ” الدكتور نازل ” ما هي إلاّ نموذج يتحوّل من شخص إلى آخر ، فمرّة يصبح الثريّ المتحيّل المختّص في تزوير الشهادات الجامعية الأمريكية ، ومرّة نجده الرجل الشهوانيّ القافز من امرأة إلى أخرى ، وأحيانا يتقمّص دور المسؤول الهامّ الذي تمنعه كثرة مشاغله عن الكتابة ويكلّف بطريقة خاصة، من يكتب عنه افتتاحيّاته ..، ومرّة أخرى نجده في القنوات التلفزية والإذاعية شارحا لفضل البخور والطيب خدمة لمصالح شركة ما ..، خلاصة القول وحسب فهمي وقراءتي المتواضعة .. لسنا في اقتفاء أثر رجل ما بل شريحة مجتمعية يعاني منها المجتمع الكويتي والعربي عموما …، ولنا أمثلة عديدة ونأخذ منها على سبيل الذكر لا الحصر .. مبيّض الأموال والراشي والمرتشي :

” ماذا في الكيس ؟.

هديّة صغيرة ، أنت تعرف أنّ نبيّنا ( صلّى الله عليه وسلم ) قبل الهديّة ، ثمّ إنّ أصدقائي كثر، والمثل يقول : اطعم الفم تستحي العين .

حرتُ بماذا تردُ ، أخذتَ الكيس فشعرتَ به ثقيلا، : توّكل على الله ، ومهاود سيدلّك على مكان اللقاء، وأنتَ تخطو حاملا الكيس حدّثتَ نفسك: وظيفة المستشار ناقل رشوة أو عمولة .. ”

الآن تأكدت من اللعبة والحبكة القصصية التي اعتمدها طالب الرفاعي في مجموعته

” الدكتور نازل ” ، فهو جمع في صيغة مفرد ..هو الكلّ في واحد لذلك سمّاه : ” نازل ” ليدينَ ويفضح ما آل له المجتمع العربي من سقوط في جميع المستويات المختلفة ، وأعتقد أنّ الكاتب الذكيّ أوصل القارئ لغايته ، لكي يُشهّر بالكائنات التي كتب عنها ويتبرّأ منها ، ويستهجن في فاصل آخر من هذه القصص، هذا الفاصل هو : اعتصام ، حيث شهد مدير المدرسة على معلّم مضروب ظلما وعدوانا ..، كتب الرفاعي ما يلي :

” الكذب خيبة، جميع سكّان المنطقة يعرفون الأخ بو نازل ، وهو إنسان مؤدب ومحترم وكريم ، ولا أظنّه يُقدم على ضرب معلّم في مدرسة عمومية ..”

لكي تفهم القصة المتجزئة لا بدّ أن تقرأ فاصل ” متجدّد ” ، حيث استدرج السارد ( العم فيصل ) البالغ تسعين سنة من العمر ..لكي يحدثّنا عن ( الدكتور نازل ) لأنّه عاش معه كظلّه ، وخلاصة ما أريد قوله ..قاله الكاتب طالب الرفاعي على لسان العم فيصل في خاتمة القصة :

” جريدة اليوم ، عادة قديمة تلازمني ، لا بدّ من قراءة الجريدة ، فتح صفحتها الأولى ، فظهرت صورة الدكتور تغطّي نصف الصفحة ، أدار رأسه ناظرا إليّ وقال: ما شاء الله ، الرجل مازال قويّا ومتجدّدا ”

بين قوسين ..هذه فقرة أعجبتني ..، وأصرّ على اقتطافها وإدراجها ضمن هذه المقالة لما فيها من صدق صارخ ..وقول قلّة قليلة تجرأ على قوله أو كتابته :

” العالم من أقصاه إلى أقصاه يكذب بعضه على بعض، المفكّرون، الفلاسفة، المسؤولون، دكاترة الجامعة، الكتّاب، الصحافيّون، وممثلو هوليوود “، كان يتوقّف عند كلّ فئة وكأنّه من موافقتي بصمتي ، ” رجال الاقتصاد والسياسة، الرياضيون، وبعض رجال الدين، يكذبون في لقاءاتهم وكتبهم وخطبهم وجملهم على تويتر وفاس بوك وإنستغرام، وهم ذاتهم يكذبون بشكل طازج، حين يجلسون مع عوائلهم وأقربائهم، ويكسب كذبهم لونا مغايرا، أمام كاميرات التلفزيون، أو في الحفلات العامة “، سكت فجأة ليشعل سيجارة جديدة، ويبدأ التدخين قائلا: ” من منّا لا يكذب “.

هذه قراءتي لمجموعة ” الدكتور نازل ” للصديق الكويتي طالب الرفاعي ، وفي الحقيقة أتساءل : كم أحتاج من حيوات لأقرأ كلّ هذا البهاء المنتشر حولي ، وأشكر جزيل الشكر للصديق المغربي أنيس الرافعي الني أرشدني على مبدع كبير …

شاهد أيضاً

فتح أبواب المدارس أيام السبت لطلبة شهادتي الأساسي والثانوي

  الصباح وجه وزير التربية والتعليم موسى المقريف اليوم كتابا الي مراقبي الوزارة بالبلديات، وجه …