منصة الصباح

الدعابة والضحك والمزاح

‏محمد الهادي الجزيري

‏ صدر للدكتور المصري مصطفى رجب كتاب عن المزاح ..وجاء في أوانه ليجيب قوما منّا وما هم منّا ..لا يبتسمون ولا يضحكون ..كأنهم أموات لا حياة فيهم ..على كلّ هذا بحث حاول الدكتور فيه تجميع التراث الخاص بالمزاح ..وهو مجهود يُذكر فيُشكر ..وكتاب مهمّ خاصة في هذا الظرف الذي تعيشه الأمّة …يقول المؤلف في فاتحة الكتاب:

‏” هذا بحث متواضع حاولت فيه تجميع التراث الخاص بالمزاح الوارد في تراجم وتواريخ الآل والأصحاب جهد الطاقة، ومهدت له بتعريف المزاح لغة واصطلاحا ومفهومه وغاياته وضوابطه الخلقية والشرعية، والحكمة من استعماله، وختمته بتجميع وتحقيق وتخريج كثير من الأحاديث النبوية المتعلقة بالمزاح والتي كان الآل أو الأصحاب طرفا فيها. وقد اجتهدت كثيرا في استبعاد ما قد يكون في بعض حالات المزاح من استخدام لألفاظ جارحة أو خادشة للحياء”

‏ركزّ الكاتب على أهمية المزاح وعلى حاجة النفس له ..فهو إذن ليس ظرفا ناتجا لكلّ شعب على حدة بل تجتمع فيه الشعوب منذ كان الإنسان ..ويمكن استعماله لتكوين الأفراد وتنشئتهم وتعليمهم شتّى الأفعال والأعمال المؤسسة للحياة .. فالمزاح ميزة تفرقنا عن الحيوان ..ومن لا يمزح يصبح جثة تكره الحياة ولا حول ولا قوة إلا بالله

‏ ” إن الحاجة للترفيه عن النفس حاجة إنسانية ولها أهميتها، وعادة ما نجد أننا نضع الترفيه والنشاط الترفيهي في مكان جانبي من حياتنا ولا نعطيه من الأهمية ما يليق به، ويتوقف ذلك على الوعي الترفيهي عند الفرد، وان يدرك مدى أهميته بالنسبة له وللمجتمع. فالترفيه مظهر من مظاهر النشاط الإنساني يتميز بالصحة والاتزان والصحة هنا بمعناها الواسع الذي يشمل الصحة الجسمانية والعقلية والعاطفية وليس فقط خلو الفرد من الضعف والمرض، فالمزاح يهدف إلى السعادة التي ينشدها كل فرد مهما يختلف الجنس واللون والعقيدة”

‏إضافة إلى ذلك أشار المؤلف في معرض حديثه عن المزاح والضحك والدعابة إلى ضرورة عدم الترويع والتخويف إذ أجاز الإسلام المزاح بين الناس لإدخال البهجة والبسمة ..ليس لأيّ شيء آخر..، ثمّة فقرات كثيرة أوردها الكاتب واستشهد بها للدلالة على ذلك ..ومنها الفقرة التالية:

‏ ” حيث شرع المزاح في الإسلام لإدخال السرور والسعادة على النفس، لا لإدخال الخوف عليها، وذلك كأن يحمل طفلًا ويقذفه إلى أعلى بشكل يخيفه، أو يخفي متاعًا لصاحبه يعلم أن قلبه ينخلع عند فقده، أو يلقي على إنسان خبرًا حقيقيًّا ولكن بصورة مروِّعة، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبًا ولا جادًّا، وإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه”

‏وقد بيّن لنا الكاتب في عشرات المرات مستشهدا بمواقف وصور من مزاح آل البيت وصحابة الرسول ومن ضمن ما اقتطف لنا الكاتب عن أبي هريرة رضي الله عنه ..موقف يظهر لنا مدى ما كانت تتمتع به أم المؤمنين السيدة عائشة من روح الدعابة وحب المرح وإتقان المزاح في غير إسراف ولا جرح لمشاعر أحد

” فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الضحاك بن سفيان الكلابي كان رجلا دميما قبيحا، فلما بايعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء – وكانت عائشة حاضرة، قبل أن تنـزل آية الحجاب – أفلا أنزل لك يا رسول الله عن إحداهما فتتزوجها؟ فقالت عائشة: أهي أحسن أم أنت؟!. فقال: بل أنا أحسن منها وأكرم. فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من سؤالها إياه؛ لأنه كان دميما..”

‏نختم هذه الإطلالة على كتاب ” المزاح ” للدكتور مصطفى رجب بمزحة ساقها في باب المزاح في تراث الأصحاب ..آملين أن يتعلم البعض منا أنّ الحياة جميلة وتتسع لظرفنا وفكاهتنا…

‏” ودخل جنادة بن أبي أمية على أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه ، وهو يأكل، فدعاه إلى الأكل، فقال: أنا صائم، فلم تزل الألوان تختلف بين يدي أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه حتى جئ بجدْي محنوذ سمين، فقال جنادة: ليأمر لي أمير المؤمنين بماء أغسل يدي وآكل من هذا الجدي. فقال له: ألم تقل إنك صائم؟ قال: بلى. ولكنى على رد يوم أقدر منى على رد مثل هذا الجدي. فضحك أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وأمر بالماء، فغسل يده وأكل معه..”

شاهد أيضاً

الطب الأعمى

في العقدين الأخيرين حدث تطور تقني وتكنولوجي طبي كبير، ساهم في إبصار الطب، وأصبح التشخيص …