نقطة بيضاء
بقلم / د. أبولقاسم صميدة
لفهم ( جيوبولتيك ) البحر الابيض المتوسط علينا اولا ان نلقي نظرة على الخارطة ، فبدون معرفة الجغرافيا وتداعياتها لن نفهم الحقائق ، وللوهلة الأولى سنجد مفهوم شمال جنوب ، فالمتوسط يجسد هذه الحقيقة فعلى الضفة الشمالية تقع اوروبا باقتصادياتها وتاريخها واطماعها ونجاحها وثرواتها ، وعلى الجانب الآخر نجد الجنوب حيث المشاكل الاقتصادية والزيادة الكبيرة فى السكان ، وحيث الفقر ، وفى الشرق نجد مشاكل سوريا ولبنان والصراع العربي الاسرائيلي ، فعلى الضفة الجنوبية يجثم الفقر والبطالة والانتقام والحروب والنزاعات ، مقابل استقرار وثراء الشمال .ثم هناك مشكلة التجارة المحرمة سواء فى البشر او المخدرات او تبييض الاموال او تهريب الآثار ، وهى امور ينتج عنها ايقاف لعجلة التنمية واغلاق ابواب الامل للشباب فى افريقيا وجنوب المتوسط ، وينتج عنها هجرة جماعية تسبب فى فقدان السلام الاجتماعى .ثم هناك الحقيقة المخيفة وهى التشدد والارهاب والجماعات التى تعادي سياسات ونمط واسلوب الحياة على الضفة الشمالية ، وهذه المشاكل تجعل احتمالية وقوع ضرر على التجارة العالمية ووسائلها فى المتوسط وكذلك حرية الحركة ونقل الطاقة والمواد الغذائية تجعلها عرضة للتأثر الشديد ، ثم هناك الجهل فقد وصلت نسبة الامية فى بعض بلدان الجنوب الى نسب مرتفعة ، وهو ما يسمح بنشوء وتكون بيئة حاضنة لفاقدي الأمل والممتلين باليأس .والخطر الكبير هو الخوف من ظهور الصراع بين الدول حول هذه المنطقة ، فالصين مثلا تستغل فى هدوء حاجة الكثير من دول حوض المتوسط ومن خلفها دول القارة الافريقية للمساعدات ، وتتقدم الصين كل يوم فى بلد جديد باستثماراتها واموالها وجالياتها ، كما ان روسيا بأسلحتها وخبرائها تتسلل مجددا الى المتوسط ، وتفعل ذلك امريكا وحلفائها الغربيين ، فلا احد بعيد فى المتوسط ، وهذا يجعل الوضع فى المنطقة مقلقا ويدعو للحيطة والحذر ، فنشوء مشاكل جديدة او استمرار ما هو قائم من مشاكل دون حل كالمشكلة الليبية سيخلق حالة من عدم الاستقرار ستدفع ثمنها جميع دول المتوسط بلا استثناء وسيتسبب عدم حل المشكلة فى نزوح الآلاف من المهاجرين فى كل اتجاه مما قد يعود على بلدان اوروبا بظهور خلل ديموغرافى ، ويٌفسد التعايش السلمى فى اوروبا .ان عدم توحيد الجهد لمواجهة هذه المشاكل وعدم التوقف عن التنافس سيخلق حالة استقطاب ليست فى مصلحة اوروبا ، فعلى سبيل المثال فإن الموقف الاوروبي المختلف مع المواقف الدولية الاخرى فى المشكلة الليبية قد يزيد الصراع فى ليبيا حدة ، وهو ما سينتج عنه نزوحا المهاجرين ، وقد يستغله البعض كذريعة لإطالة الازمة خصوصا فى ليبيا التى اصبحت بسبب السياسات الدولية هى البلد المنتج والمٌصّدر والحاضن الاساسى للمهاجرين ، ويمكن للمرء ان يشاهد اعداداً كبيرة من الاخوة الافارقة فى المدن الساحلية الليبية ، وبسبب الحروب فى ليبيا فلا يعرف الليبيون من هم هؤلاء وهل بينهم مغامرون ام انهم اشخاص باحثون عن فرصة للحياة بعد ان ضاقت بهم السٌبل ، فالعالم يسمع عن جماعة بوكو حرام ، والجماعات المتمردة فى شمال تشاد وشمال السودان وفى دار فور ، وكذلك الجماعات المسلحة المطالبة بما تراه حق لها ، وكل هذه الامور تجعل من المتوسط بحراً من القلق والمشاكل ، وهذا مؤشر ودليل قوي على ضعف المعالجات ، بل وعلى فشل الكيفية التى تتعامل بها الدول الاوروبية مع مشكلة الهجرة ، وتحديدا الحرب الليبية ، وهذا يدعو المجتمع الدولى الى إعادة النظر فى سياساته تجاه ليبيا وتوحيد الرؤية والحلول والجهد ، وعدم إضاعة الوقت ، لان الجميع سيكون خاسراً .