محمد الهادي الجزيري
حين تكوّن صداقات مع مجموعة أدباء في بلد معيّن..يصبح الوصول إلى أغلبهم بطريقة سهلة ولينة ، فمنذ وقع التعارف .. أهداني مشكورا مجموعته القصصية “ الحوجري “ التي أطالعها الآن وأكتب عنها بحبّ وعناية ..، وأقدّم قراءة عاشقة لها …
يتعرّض القاص في قصة “ المعلّقة “ إلى موضوع انفصال الزوجين وما يحدثه من مشاكل وآلام ..، ويتطرّق إلى شأن عربي أو خليجي ربّما ..ولعلّه ما زال معمولا به في بلدان عربية أخرى .
المهمّ يقصّ علينا عذابات بنت تتزّوج ابن عمّها وبسببه تقطع الدراسة وتستجيب للرأي الجماعي للعائلة والمجتمع ..،
ثمّ تكتشف أنّ حلم السعادة والهناء منعدم وغير ممكن ، بسبب زوجها المتعلم الذي لم يأخذ من التعليم إلا شهادة عمل ، لم يستفد بشيء لا تربية ولا أخلاقا ..، فعندما قرّرت المرأة الطلاق لجأ هو للتعليق ..وهو عقوبة قويّة وعنيفة لكلّ امرأة تفكّر في الانفصال .
المهم ثمة رجال كبار في كلّ مجتمع يردّون الحقّ لأصحابه .. نقرأ من المعلّقة :
“ مرّت بعد ذلك سنة كاملة ، تزوّج المهندس بأمرة أخرى ، وانتقل للعيش في مسقط .
ومازالت طفولة معلّقة تنتظر ، تدفع سنوات من عمرها للغرور ، رجل متشبّث ببعض العادات المؤلمة ، تدفع ضريبة لاتخاذها قرار الانفصال من رجل لو استمرت في العيش معه ستتحوّل حياتها إلى مآسى تتجرّعها يوميّا ، كلّ يوم يمرّ على العالم سريعا ، يمرّ بطيئا ثقيلا مؤلما ، بعد خمس سنوات باع عمها سهيل أرضا معه ، وأرسل المبلغ إلى المهندس ، وفكّ قيدها فتحرّرت ..”
ثمّة قصة شدّتني وفرضت عليّ أن أقتطع منها فقرة ، وأن أحدّثكم عنها رغم أنّها حكاية سيريالية عن الجنّ وليس فيها أهداف للسرد وتأويلات ممكنة ..، ولكنها ممتعة وأعادتني لخرافات جدتي في ليالي الشتاء الطويلة الباردة ..، القصة عن قبيلة من الجن وزعيمتهم
“ ميمونة “ وكيف هاجروا من ديارهم إلى بلاد السند والهند ..، وفيها طرافة وخيال ..، مثال ذلك :
“ الباقي شهدته بنفسي ولم يروه لي أحد ، لقد رأيت ميمونة بأمّ عيني تتحوّل غيمة ، وتصعد إلى الأعلى ، ورأيت أتباعها ينظرون إليها وهي ترتفع إلى فوق ، فوق جماعتها .
وأخذت تقودهم بعدما اصطفوا ، وبدؤوا يسيرون على سطح البحر ، نساء وأطفالا ، وشيوخا رأيتهم يرتفعون مع الأمواج ، ويهبطون معها ، دون ملامسة سطح الماء “
غالبا ما يدفع ثمن أفواهنا ..فكلّ كلمة لها وزن ولها تأثير ما في حياتنا ، هذا ما أراده القاص من كتابة قصة “ أمّ البنات “ ، وخلاصة هذا المتن أمّ يكذب عليها شخص ويدعي أنّه على علم بأسرار لبناتها ..،
فتهيج وتغضب غضبة كبرى ..ولكنّه أمام الشرطة يعترف بأنّه مفتر كذّاب وأنّه لجأ إلى الادعاء تهرّبا من دفع المهر ..
“ أحيانا تكون الكلمات التي نتفوه بها هي النبال التي تصطاد أحلامنا ، أو سهام تقتل أحلاما مشتركة لبعضنا ، تصبح تلك الأحلام أسيرة ألسنتنا ، مربوطة بصدى ما نقوله “
مقهى الصعاليك ، هو عنوان القصة الأخيرة في هذه المجموعة ، وتدور أحداثها حول مقهى وأربعة مالكيه ..، وثمة واحد جشع راح يفكّر في الاستحواذ عليه .. فورّط البقية في ديون وقروض للمصارف ..
وفي الأخير نجح في إخراجهم من الملْك ، وهذه الحكاية متوفرة في كلّ مجتمعاتنا للأسف الشديد ..
فطموح الإنسان يؤدي به للتهلكة ..، لنرى المالك الفائز كيف يفكّر لحظة نجاح خطته :
“ استطعت أن أغيّر كلّ شيء ولم يبق إلا أن أغيّر اسم المقهى من أذهان الناس ، علّق لائحة كبيرة على طول المبنى مكتوب فيها “ مقهى البرزة “ إلا أنّ اسم “مقهى الصعاليك” مازال راسخا في عقول العامة ، بل زاد رسوخا “