منصة الصباح
علي الدلالي
علي الدلالي

الحروب الفاشلة

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد 75 يوما من الحرب الوحشية تصب الموت من الجو والبحر والأرض على رؤوس السكان المدنيين في قطاع غزة مخلفة آلاف الضحايا والمصابين والمفقودين معظمهم من الأطفال والنساء، وتُمعن في الدمار والخراب والحرق والحصار والتجويع دون أدنى اكتراث للقانون الدولي الإنساني مستفيدة من مشاركة الولايات المتحدة المباشرة في هذه الحرب ومستغلة (الفيتو) الأمريكي الداعم للمجازر النازية ضد الشعب الفلسطيني.

وعلى الرغم من هذه السابقة التاريخية في الخسائر البشرية ومشاهد أشلاء الضحايا واضطرار المستشفيات المدمرة إلى تقديم ما يُمكن من العلاج للمصابين على أرضيات ملطخة بدماء الشهداء والجرحى، وحجم الدمار المنقول على الهواء مباشرة، إلا ان المنظمات الدولية وجدت نفسها عاجزة عن إغاثة الجرحى الذين تجاوزوا الـ 70 ألف جريح، وتقديم حتى كسرة خبز للجياع وبعض الحليب للأطفال وجرعة ماء للعطشى، بسبب حصار الجوع والعطش غير المسبوق الذي تفرضه قوات الاحتلال على القطاع بعد أن حولته إلى ركام ومقابر جماعية بدعم علني مباشر من الولايات المتحدة وبعض دول الغرب النيوكولونيالية العنصرية منها بريطانيا.

أعلنت قوات الاحتلال حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي على قطاع غزة، مصحوبة بعمليات إرهاب وقتل وقمع شامل للمدنيين واقتحام للمخيمات والمدن في الضفة الغربية المحتلة حيث تتمركز السلطة الفلسطينية، – التي لم يشفع لها لدى النازيين الجدد ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن “رأينا السلطة الفلسطينية تلعب دورا بناء في الحفاظ على الاستقرار في الضفة بعد 7 أكتوبر”، – منتهكة، وسط تخاذل من الدول العربية والإسلامية خاصة، والمجتمع الدولي عامة، قواعد القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة المتعلقة بقواعد حقوق الانسان في حالة الحرب وخصوصا ما يتصل بالأسرى والجرحى والمدنيين وممتلكاتهم والبنية المدنية، والبرتوكولات الإضافية الملحقة بها لعام 1977.

ظلت كافة المنظمات الدولية، وهي في الحقيقة الحلقة الأضعف في حركة المجتمع الدولي كونها تتلقى النسبة الأكبر من أموال الدعم والمساعدات من دول غربية معظم حكوماتها اليوم يمينية شعبوية عنصرية، عاجزة تماما أمام هذه الحرب الوحشية ضد 2.4 مليون مواطن فلسطيني مدني محاصرين في أكبر سجن مفتوح في العالم، وفي المكان الأكثر اكتظاظا بالسكان فوق الأرض، قطعت عنهم قوات الاحتلال النازية الماء والأكل والكهرباء والوقود، في سابقة لم تنفذها حتى القوات النازية، وهدمت بيوتهم على رؤوسهم، ودمرت مستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم وكنائسهم ومخابزهم وجرفت طرقهم، خوفا من إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه الدولة العبرية عبر ذراعها القاتلة، الموساد، بدعم مباشر من الـ (سي أي أي) الأمريكية.

وتتواجد معظم المنظمات الدولية في رفح المصرية على بعد أمتار من حوالي 1.9 مليون فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، حشروا في 60 في المائة من مساحة القطاع، بعد أن أجبرتهم قوات الاحتلال على النزوح إلى ما يُعرف بجنوب وادي غزة في أكبر موجة تهجير قسري منذ عام 1948، مشلولة وعاجزة أمام قرارات الكيان الإسرائيلي وتهديده بقصف أية محاولة لإدخال الغذاء والماء والدواء دون موافقته رغم ما تروج له الولايات المتحدة المفلسة أخلاقيا، من مزاعم مضللة للرأي العام الأمريكي والدولي، عن سعيها لمساعدة المدنيين الفلسطينيين في الوقت الذي تُرسل فيه كل يوم أطنانا إضافية من أسلحة التدمير والقتل إلى جيش الاحتلال للفتك بهؤلاء المدنيين العزل.

دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب 2014 حوالي 16 ألف وحدة سكنية، في حين تجاوز عدد الوحدات المدمرة حتى اليوم الـ 75 من هذه الحرب 60 ألف وحدة سكنية إلى جانب تدمير 20 مستشفى وإخراجها من الخدمة وسط هستيريا القتل والدمار التي تعشعش في عقول ثلاثي قتلة الأطفال والنساء، ناتنياهو وغالانت غانتس.

تقول مستشارة عدالة النوع الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أوكسفام، هديل قزاز، إنه “لم يحدث منذ إنشاء الأمم المتحدة أن كانت منطقة بهذه الكثافة السكانية تحت حرب متواصلة وسط شلل تام لمجلس الأمن وعجز كامل للمنظمات الدولية الإنسانية”.

إن الحروب التسع التي عاشها سكان غزة، أكثر من 60 في المائة منهم دون سن الـ 20 عاما، في سنوات: 2006، 2008، 2009، 2012، 2014، 2019، 2021، 2022، 2023، لن تمكن الاحتلال الإسرائيلي من بلوغ هدف القضاء على (حماس)، لأن هذه الحروب خلقت ببساطة أرضية لعشرات (حماس جديدة)، وعجزت قواته بعد 75 يوما من الدمار الشامل والقتل بلا هوادة للمدنيين عن بلوغ هدفه الثاني بتحرير أسير واحد من أسراه، ومن هنا لا مفر أمامه من الجلوس للتفاوض والرضوخ لمطالبة الملايين في عواصم العالم بوقف إطلاق النار وتمكين المنظمات الدولية من القيام بعملها لنجدة أكثر من مليونين من المحتاجين وفتح كافة المعابر أمامها وليس معبر رفح فحسب.

شاهد أيضاً

*الصحة المفقودة والحلول التلفيقية*

د.علي المبروك أبوقرين الصحة والعافية والرفاه ليس غياب المرض والعجز والالم فقط ، لهذا تعزيز …