الصباح ـ خلود الفلاح
تعيش ليبيا على وقع انقسام حكومي وأمني منذ عام 2011، وتتقاسم إدارة البلاد حكومتان: الأولى “الوحدة الوطنية” برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد، التي يترأسها أسامة حماد، ويبدو أن تأجيل الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة في عام 2021، لا تدعو إلى التفاؤل.
في هذا الصدد، طالبت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، المواطنين بضرورة التخلي عن حالة الاستسلام للانقسام السياسي، والتفاعل مع الاستحقاقات المحلية.
ويعتقد مراقبون ومحللون أن الانتخابات البلدية استحقاق لا يمكن أن يكون له تأثير في باقي الاستحقاقات، خصوصاً أنها ترتبط بطابع خدماتي لذلك لا تحظى حتى باهتمام كبير أو تنافس من النخب السياسية.
سؤالنا، هل الانتخابات البلدية اليوم خطوة مهمة نحو انتخابات برلمانية ورئاسية؟
يرى الباحث السياسي والدستوري محمد محفوظ، إن ربط الانتخابات البلدية بنظيرتها الرئاسية والبرلمانية ليس واقعياً باعتبار أن هناك اختلافاً جذرياً بين الأمرين، فالانتخابات البلدية ليس فيها مشكلات وليست معنية بالخلاف السياسي، لكن الرابط الوحيد هو أنها تجربة للمفوضية العليا للانتخابات لإثبات مدى قدرتها على تسيير الاقتراع، لذلك فإن الانتخابات البلدية تعد معياراً يمكن الحكم من خلاله على قدرة المفوضية العليا للانتخابات الفنية فقط.
خيبة أمل
ويشير مدير المركز المغاربي للدراسات حول ليبيا رشيد خشانة، إلى أن الانتخابات البلدية تشكل بالفعل اختباراً جدياً حول نقاط عدة من بينها مدى إقبال الليبيين عليها بعد خيبة الأمل التي أصيبوا بها في عام 2021،
وأضاف: “الانتخابات البلدية ستكون فرصة للنخب المتطلعة للديمقراطية من أجل أن تبين أن خطها ينسجم مع روح المجتمع الليبي لأن في المرة الماضية عندما بدأت عملية تسجيل الناخبين تم رصد تسجيل مليوني ليبي، لذلك تمثل هذه المحطة فرصة للنخب لإظهار أن البلاد جاهزة للاقتراع وأن المشكل في الزعماء السياسيين وليس في المجتمع”.
أعتبر الخبير في الشأن السياسي إبراهيم الغرياني، أن بدء اجراءات الانتخابات البلدية خطوة جيدة لكن يجب أن نميز بينها وبين الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي، لأن البلديات أقل حدة في الصراع.
وتحدث إبراهيم الغرياني عن قدرة مفوضية الانتخابات على تنظيم الانتخابات، ولديها الإمكانات والخبرة الكافية، لكن ما يعطّل الأمر صراعات المتحكمين في السلطة، وهذه الإشكالية تحتاج إلى توافق بين كل الأطراف لضمان مشاركة الجميع من دون إقصاء أي طرف، وهو ما لم تصل إليه البلاد.
وأضاف: “سيظل الأمل حاضراً في اجراء انتخابات كوسيلة وحيدة لإنتاج سلطة شرعية، وهي الحل في إنهاء الانقسام السياسي وتداول سلمي للسلطة”.
التغيير السياسي المنشود
وعلى جانب آخر، يقول الباحث السياسي مصطفى الفرجاني، أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، أكدت في أكثر من مناسبة جاهزيتها من الناحية الفنية لإجراء أي استحقاق انتخابي، وأن هذا التأكيد جاء بعد خطوات اتخذتها المفوضية لإعادة ترتيب بيتها الداخلي.
أن عزم المفوضية لإجراء الانتخابات في موعدها وتأكيد الاستمرار فيها، يعطي إشارة إلى إمكانية إجراء انتخابات عامة تشريعية ورئاسية، إذا صدقت النوايا عند جميع الأطراف السياسية، والوصول إلى توافق يتحقق من خلاله تجاوز مراحل الصراع.
وتابع: “من الناحية المجتمعية، فإن الشارع الليبي يترقب نجاح الانتخابات المحلية، معتبرا إياها خطوة متقدمة على سلم التغيير السياسي، على أمل أن تتحقق باقي الاستحقاقات الانتخابية والانتقال إلى مرحلة التبادل السلمي للسلطة، سواء السلطة المحلية أو التشريعية والرئاسية، بعد فترة من الصراعات العسكرية والمناكفات سياسية”.
ويؤمن رشيد خشانة أن المجتمع الليبي أكد مراراً أنه قادر على التدخل عند اللزوم من خلال التظاهرات والانتخابات والاحتجاجات للدفاع عن حقه في اختيار من يمثله، والنقطة الأهم أيضاً هي أن الأطراف الدولية نفسها ستسعى إلى الاستفادة من هذه الانتخابات كل على طريقته.
وأضاف: “إذا كان الاقبال ضعيف في الانتخابات البلدية فإن ذلك سيشكل سلاحاً بيد من يريدون تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، أما إذا كان الإقبال كبيرا فإنه سيمثل ضغطاً على الأطراف المتصارعة للإسراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.