منصة الصباح

الاكاذيب النبيلة

منصور بوشناف

 

“الكذبة النبيلة” مبدأ سياسي قد  لا يراه الكثيرون نبيلا حتىى يصلوا الى الحكم, ولو سألت العرب او المسلمين عن صاحب هذا المبدأ لقالوا لك دون ترددت “اليهود ” او “الصليبين” ولو سألت اليهود والنصارى لقالوا لك “لا شك انه عربي او شرقي”.

مبدأ الكذبة النبيلة” اطلقه الفيلسوف المسلم “الفارابي” كأحد اركان نظرية الحكم كما يراها , هكذا يلقي  المؤرخون الاوروبيون بهذا المبدأ في مرمانا , ولكن الفارابي لم يكن كما يشير مؤرخون اخرون الا مترجما للفكر اليوناني وتحديدا لارسطو وافلاطون فمبدأ الكذبة النبيلة ورد في “جمهورية افلاطون ” المثالية.

اذن وبحمد الله المبدأ كان من الفكر الوثني اليوناني ولم يكن من انتاج مفكري وشارحي وفقهاء الاديان السماوية, هكذا تطمئن قلوب المؤمنين وتركن للنقاء والوداعه.

“الكذبة النبيلة” وكي نكون منصفين , كانت نتاج الملائكة والشياطين ,ككل انتاج بشري, فالكذب للشيطان والنبل للملائكة , وكلاهما يلتقيان ويتناغمان في كياننا الانساني العجيب.

ابن “الحارة اليهودية” الالمانية “ليو شتراوس” يولد قبل ولادة القرن العشرين بشهور,ليكبر ويدرس الفلسفة ويتخصص في الفلسفة “العربية اليهودية” ويكتشف “الفارابي ” والكذبة النبيلة , ويؤلف كتابا عن الفيلسوف اليهودي الاندلسي “ابن ميمون” بعد ان كان قد التحق بالحركة الصهونية وهو في السابعة عشر من عمره.

بعد الحرب العالمية الثانية هاجر الى بريطانيا ثم الى امريكا وتحول من الفلسفة الى السياسة,و عبر عن ازدرائه لليبرالية والديمقراطية  الامريكية رغم انه رأى في امريكا القوة القادرة على تحقيق الرقي والتقدم والسيطرة.

وجدت “كذبته النبيلة” رغم التكتم عليها اعلاميا قبولا كبيرا لدى قوى جديدة  قديمة, قوى ليبرالين جدد هم مزيج من محافظين متشددين ويساريين من الحزب الديمقراطي انشقوا عنه , كان فرض المبادي بالقوة وتبرير ذلك بمجموعة من “الاكاذيب النبيلة” جوهر تلك الدعوة واداتها الاولى.

“الاكاذيب النبيلة” مبدأ تبناه بعض غلاة الشيعة وعرف بأسم “التقية” ويتلخص في ان قول الحقيقة يكون ضارا في بعض الاحيان ولذا يجب تجنب الضرر ببعض الاكاذيب النبيلة.

“سيد قطب” المثقف المستنير والمهتم بالادب ومدارسه والشاعر ايضا يرحل من مصر الى امريكا , ليصدم بمثالب الليبرالية الامريكية وتفسخها الاخلاقي , ويزدريها كما فعل تلميذ “الفارابي وابن ميمون” اعني الالماني الذي سبقه الى امريكا “ليو شتراوس” ليعود الى منابعه الاولى بحثا عن بديل لهذا التفسخ الضخم.

ينطلق بديل سيد قطب في العالم العربي والاسلامي سريعا, يتعتر ويسير, يكبو وينهض, ويواصل بديل”ليو شتراوس” صعوده في امريكا ويترسخ ويتبناه مفكرون وسياسيون, وجميعهم مستندين الى ” الاكاذيب النبيلة” .

تنمو وتتمكن قوى “التقية” و “الكذبة النبيلة” في عالمين متناقضين رغم تشابه ابراج الخليج وابراج نيويورك , يكبر “قابيل” و “هابيل” شقيقين عدوين , اخوة اعداء رغم الرحم والنشأة,  ويتحول مسرح لعبهما الحميم في افغانستان الى ساحة حرب ضروس بينهما .

ابناء سيد قطب يحاربون الشيوعية مع اشقائهم ابناء ليو شتراوس من اجل الحرية والديمقراطية وتلك بالنسبة للفريقين ” التقية والكذبة النبيلة” .

سلالة سيد قطب , سلالة التقية , تترمز في “بن لادن” وتتوج سلالة “ليو شتراوس” ب “جورج بوش الابن و” كذبته النبيلة” , ليلتقيا هناك في نيويورك وافغانستان وليطبق بوش مبدأ الكذبة النبيلة في العراق واسلحتها المرعبة للدمار الشامل.

تتصارع السلالتان وتتقاذفان رؤوسنا واشلاءنا , تبرمجان مستقبلنا وهوياتنا الهشه بالقوة المفرطة, ولا تبدو الديمقراطية والحرية والهوية , لاتبدو حروب الحرية والجهاد , الا “تقية” و ” اكاذيب نبيلة”.

شاهد أيضاً

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي   كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا …