منصة الصباح

الاختصار المريح

كاميرا خلفية

بقلم /أحمد الرحال

تحدث مرة أحد المشايخ في درس طويل في مسجد عن طاعة الوالدين، كان ذلك في مسجد في قرية قبل خطبة الجمعة والصلاة.
بعد صلاة الجمعة اقترب رجل كبير السن من الشيخ ومعه ابنه المعروف بحسن خلقه في القرية وقال للشيخ أريدك أن تعاقب هذا الولد العاق فهو لا يطيعني. ثم التفت الرجل إلى ابنه ولطمه، والابن ساكت مطأطئ الرأس.
الشيخ قال للرجل: حرام عليك يا حاج ولدك نعرفوه قداش متربي وخلوق ومطيع، ليه عليك تدير فيه هكي قدامنا؟ فرد الرجل: ماهو يا شيخ يزلبح فيا، نقول له دير كذا يقول لي باهي وبعدين يمشي يدير ما في راسه. ثم أردف: ولدي مش متربي وما ينفعش ويبي من يربيه من جديد.
هنا قال الشيخ: ما نيش عارف كيف ولدك عمره توا قريب عشرين عاما وكلنا نعرفوه راجل باهي وانت بروحك من غيره والله ما تقدر تدير حاجة وتجي توا تسيب هذا كله وتشد في حاجة واحدة وممكن مش عيب وتحكم عليه كامل أنه ما ينفعش.
أذكر مرة أيضا كان هناك حوار فيه نوع من العمق أخذ وقتا ليس بالقصير حول معنى مصطلح «العلمانية». استمر النقاش لأكثر من ساعتين، وكان نقاشا فيه عمق لوجود شخص متخصص وآخر له خبرة شخصية عميقة. انتهى النقاش متوازنا معتدلا، ولكن بعد نهاية النقاش دخل شخص كان قريبا منا وقال كلمة واحدة وذهب، قال: العلمانية باختصار هي كفر. قالها وانصرف.
وفي مرة أخرى مشابهة كان هناك حديث آخر حول أحد التيارات الإسلامية، كان الحوار أيضا عميقا من نواحي تاريخية وفكرية وغيرها، انتهى الحوار بتوازن واعتدال. العجيب أن الشيء نفسه حدث، فقد كان هناك شخص قريب سمع بعض النقاش أو كله، فقال: الاخوان المسلمون مش كويسين راهو. قالها وخرج أيضا.
يبدو أن ثقافة الأحكام المطلقة ثقافة مريحة، لا ضجيج فيها ولا حوارات، فهي أسلوب ينهي المسائل بلا تعب وبالتالي يكون الحكم فيها مبررا لاتخاذ مواقف مسبقة قد تبرر حتى القتل في بعض الأحيان لمن استطاع.
من ناحية اجتماعية، مازال عندنا الحكم على الشخص من خلال انتمائه القبلي أو العائلي، فإذا قام شخص ما بعمل سيئ، يتساءل الناس: منين هو؟ وبمجرد أن يعرفوا قبيلته أو عائلته يكون الاختلاف، فبعضهم يقول: غريبة والله، عائلته أو قبيلته ناس باهية، مش عارف كيف دار هكي هو؟ وآخرون يقولون: تمام تمام لا مش غريبة عليه مادام هو من هالقبيلة أو هالعيلة.. المصيبة الكبرى هي أننا نعيش خارج الزمن والتاريخ على الرغم من سهولة الاتصال بالعالم في كل لحظة. مراكز البحث والباحثين والخبراء والدارسين والمؤرخين يبذلون جهودا مضنية عبر الزمن لدراسة قضايا بعينها أو لتناول مصطلحات أو غير ذلك، ونأتي نحن في ليبيا بكل سهولة لنجد عندنا من يختصر ليجد المبررات.

 

شاهد أيضاً

التومي على مذكرة تعاون مع وزارة اللامركزية الجيبوتي

الصباح وقع وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ، و وزير اللامركزية الجيبوتي قاسم هارون …