منصة الصباح

احتمالات و احتمالات

زايد… ناقص

جمعة بوكليب

 

 

أُرجِّحُ أن الصُدفةَ وحدها كانت وراء تزامن وصول السيدة ستيفاني ويليامز إلى العاصمة طرابلس، عقب انقضاء أسبوع السلام الثقافي الفنّي. ولكم تمنّيت لو أنّها حضرت في بدايته، لتشهد مواكب الفن والجمال تطوف الشوارع، على ايقاع دفوف المحبة. لكن حضورها جاء متأخراً قليلاً، ونحن نتأهب، فرحين وخائفين، للدخول في مرحلة تاريخية، لم نعرفها من قبل، وعلى أمل أن تتم الأمور على خير من الله.

الصُدفُ، عادة، يكثر وقوعها في الحكايات والروايات والقصص، بغرض التشويق، و بهدف تعقيد الحبكات. وهذا لا ينفي وجودها في الواقع اليومي وحبكاته المعقدة، ولكن ليس بدرجة لافتة. وربما لهذا السبب، من المفيد لنا ألاّ نعوّل عليها كثيراً، فيما يحدث من وقائع سياسية على أرض  واقع  من رمال متحركة وخطرة.

انقضاء أيام أسبوع السلام، في مدينة السلام، متزامناً مع وصول السيدة ويليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يعني  أننا في طريقنا إلى موقع آخر، قد لا يكون للسلام فيه نصيبٌ، لاسمح الله.  ولا أحد بمقدوره التكهن.  لكن المؤشرات الأولية تؤكد أن الطريق إلى الحدث الانتخابي مليئة بالمطبات، وتكثر بها حواجز ليس من السهولة بمكان تجاوزها.

المراهنون منّا على تمكن ليبيا من الخروج من سَمِ الخيّاط بأقل الخسائر، والرسو على مرفأ آمن، ينجينا من أهوال عواصف محتملة، وقناعتهم بأن الانتخابات ستعقد، وسيتمكن الليبيون من اختيار رئيسهم عبر صناديق الاقتراع، لن يفوزوا بالرهان، إذا كانت حساباتهم تقفز على معادلات الواقع الذي نعيشه، وما يحدث فيه من تحولات. لكننا، في هذه السطور، نتمنّى لهم الفوز بالرهان، لأنه فوز للجميع.

والمراهنون منّا، الذين يقفون في الجهة المقابلة للأولين، وينظرون إلى نصف الكأس الفارغة، محذّرين من العواقب، لن يفوزوا كذلك بالرهان، إذا استبعدوا التفاؤل من حساباتهم، ولم يتركوا هامشاً للصُدف، أو ما يطرأ من مفاجآت، كالتي حدثت في أول انتخابات نيابية. وفوزهم بالرهان سيكون خسارة لنا جميعاً.

السؤال: ماذا بمقدور السيدة المستشارة فعله، في ضوء ما حدث أخيراً؟

لا أستطيع التخمين، والرسو على مرفأ، لأن المشهد تغير مؤخراً، بعد عودة  الجماعات المسلحة إلى ألاعيبهم التي عرفناها وألفناها.  وحين يدخل السلاح من الباب، تفرُّ السياسة من النافذة. وها هي الدبابات والمدرعات تحاصر المؤسسات والوزارات، وتنزل الرعب في القلوب، وتعلو أصوات الوعيد. ولم نعد نسمع إلا تصريحات نارية تأتينا من كل اتجاه، لكن من نفس تلك الوجوه التي أدخلتنا عِنوة النفق المعتم منذ سنوات. إلا أن السيدة ويليامز لم تتوقف عن أداء عملها، و مواصلة مشاوراتها ولقاءاتها. فهل تتمكن من نزع فتيل الحرب، وابعاد شبح الموت والخراب عن البلاد أم أنها ستنسحب وتولي الدبر؟  الدلائل الأولية تؤكد  أنها لن تترك الحلبة، وستواصل العمل الذي جاءت من أجله لاستكمال مهمتها. ويبدو أن الصراخ والسباب والشتائم التي توجه نحوها من قبل قادة الجماعات المسلحة الغاضبين لاتعنيها. وهذا يفضي بنا إلى سؤال آخر يتعلق بامكانية بناء جسور للتواصل معهم، ومحاولة اقناعهم بالعودة إلى معسكراتهم، بغرض اشراكهم في الجولات التفاوضية. لكن أولئك القادة يعرفون مسبقا أن العملية السياسية تستهدف القضاء عليهم، بطردهم من خشبة المسرح. ولهذا السبب قد لا يقبلون. وهي، شخصياً، تعرفهم واحداً واحداً، وعلى وعي بالخلفيات التي جاءوا منها،  وأهدافهم.

ويبدو أن الاستحقاق الانتخابي قد دخل نفقاً  آخر، لا أحد يعرف إلى أين يقود. ولذلك، علينا أن نتوجه بالدعاء إلى الله، كي يجنّب بلادنا وأهلنا ويلات حرب أخرى.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …