منصة الصباح

إصلاح التمويل الاستثماري العام والخاص  (2)

  محمد أحمد

التوازن بين القيمة الحالية والمستقبلية للعملة المحلية غائب عن سياسات المركزي

ما ينطبق على قطاع الطاقة سينطبق كذلك على قطاعات الصيد البحري والزراعة والسياحة بنسب متفاوتة، فالعمل مثلاً في قطاع السياحة يحتاج إلى بناء سلاسل قيمة تبدأ من قطاع الطيران والمواصلات ولا تنتهي بقطاعات الخدمات والفندقة والتموين، ولو دققنا في سلاسل القيمة هذه سنكتشف الكثير من الفجوات والثغرات التي يمكن ملئها بسهولة عن طريق الاستثمارات لتقديم خدمة سياحية راقية سواء الداخلية أو الخارجية, إلا أن مشكلة التمويل الاستثماري وعامل المخاطرة يبقي هذا القطاع متخلفاً بالرغم من أهميته في الاقتصاد الوطني. أما إصلاح السياسات النقدية وسعر الصرف فهو بيت القصيد، ولا يمكن أن نتحرك قدماً في ظل الضبابية التي نعيشها في هذا الجانب المظلم تماماً، أحياناً يكون الجدل بطريقة أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة، الابتداء بإصلاح السياسات النقدية وسعر الصرف أم الابتداء بإصلاح السياسات التجارية قبل، شخصياً أنا مع الرأي الأول الذي يقول إنه بدون إصلاح السياسات النقدية وسعر الصرف لا يمكن لأي سياسة إصلاح تجارية أن تأخذ طريقها، وهنا لن أناقش كيف يمكن إصلاح السياسات النقدية لأنه مبحث منفصل طويل ومعقد، ولكني سوف أركز على المتطلبات الأساسية التي ينبغي توفرها في السياسات النقدية لتفعيل إصلاح ناجح في السياسة التجارية : –

المتطلب الأول هو وضوح القيمة الزمنية للعملة المحلية، وبدون وجود سعر فائدة رسمي من الدولة فإن ذلك يستحيل حدوثه، الدينار اليوم لا يساوي دينار سنة 2025 أو دينار سنة 2030، والافتراضات حول القيمة بدون التزام حكومي ضرب من الخيال، فالمؤسسة النقدية ملزومة بتوفير المعيار البديل في ظل غياب الآلية المعروفة للحسبة، فطبيعياً إن لم تقدم المؤسسة النقدية هذا المعيار فإن النظر سيتجه تلقائياً إلى معيار التضخم الذي يعتبر معياراً عشوائياً ضاراً في التوقعات الخاصة بالاستثمار، وتؤدي التوقعات المرتفعة للتضخم إلى هروب الاستثمارات والاحتفاظ بالسيولة خارج النظام المصرفي.. هذه تلقائية لا يمكن تجنبها بالتمسك بمبادئ غير اقتصادية من ناحية تجارية هنا فإن التبادل التجاري سيتم تضييقه إلى أقل حد ممكن ليوائم قصر فترة التوقع وبذا ستسقط السلع والخدمات ذات الأجل الطويل من العرض والتي توفر حقيقة استقرار نسبي للأسواق، مثلاً يمكن لأي مستعمل اليوم أن يحجز تذكرة سفر على بعض الخطوط لمدة سنة قادمة بسعر سيكون أقل بكثير من التذكرة التي يود أن يحجزها غدا، عرض تذكرة بهذه الفترة الطويلة ليس عشوائياً، بل يرتكز على عدة حسابات مؤكدة عن القيمة الزمنية لمبلغ التذكرة المدعوم من قبل السلطات النقدية بإعلانها سعر للفائدة وليس توقع تضخم، بصورة مبسطة هنا فإن الخطوط الليبية أو الأفريقية لا يمكن لها أن تبيع تذكرة “مؤكدة الثمن” بعد سنة من الآن سواءً في مكاتبها أو على الإنترنت بدون هذا المتطلب على ذلك الأنشطة الأخرى، في ظل هذه الوضعية النقدية فإن العمليات التجارية ستبقى في نطاق زمني قصير جداً وسيكون متأثراً بشدة بالتقلب الكبير في السعر.

المتطلب الثاني هو وضوح وشفافية سياسة سعر الصرف، هنا لا يهم هل تتجه هذه السياسة أما للتعويم الكامل أو إلى الاستمرار بنظام تثبيت سعر الدينار ، ما يحدث اليوم هو ضرب من الفوضى والعشوائية لا يمكن لأي سياسة تجارية أن يتم رسمها في ظله، فبينما يغيب عامل سعر الفائدة كقيد من السياسة النقدية على صانع القرار فإن قرار معدل سعر الصرف يبقى وفقاً للأهواء الشخصية والسياسية، لا يمكن للعمليات التجارية أن تتم بشكل صحيح والسياسة النقدية وسعر الصرف هما تحت التقدير الشخصي وليس الآليات السوقية، لا يمتلك محافظ المركزي في السعودية أو في إيران حرية تحديد السياسة النقدية بالشكل الذي نتبعه في ليبيا، القاعدة أن المحافظ لا يمكنه رفع قيمة سعر صرف العملة المحلية أو تثبيتها بدون أن يقوم برفع سعر الفائدة أو تثبيته الذي بدوره له آثار اقتصادية وتجارية على الاقتصاد الوطني، التوازن هنا بين القيمة الزمنية الحالية والمستقبلية للعملة المحلية هي مسؤولية المصرف المركزي، فقيمة منخفضة ستعني ربما تشجيع على الإنتاج المحلي، ولكنها في نفس الوقت تعني تضخم مستورد مرتفع والعكس صحيح، هذه المعادلة بالذات غائبة تماماً في وضعنا الليبي ويعتمد صناع القرار على ما يتم توريده من مبيعات النفط كعنصر وحيد لتقرير سياساتهم النقدية، المسألة هنا ترجمتها تجارياً واضح تماماً، سعر نفط مرتفع يعني واردات أكثر بالتالي تأثير أقل من التضخم المستورد وسعر نفط منخفض يعني عرض نقود أكثر بدون تغطية وواردات عن طريق السوق السوداء وتضخم مستفحل.

 

 

 

شاهد أيضاً

ليبيا في المركز 7 عربيا و61 عالميا في تصنيف الدول الأكثر إنتاجية

ذكر تقرير  لمجلة ” ceoworld” الامريكية ، حول تصنيف الدول الأكثر إنتاجية في العام  أن ليبيا ، …