منصة الصباح

إبداع وأصالة .. مدارس الفن الشعبي في ليبيا

كتب : مسعود جبيرة

 

يزخر الفن الشعبي في ليبيا بموروث هائل ومتنوع, وهذا التنوع ساهم في إثراء ثقافة المجتمع الليبي ,وبالرغم من اتساع المساحة إلا أن الموروث الليبي ظل مقربا للمسافات بين أبناء الوطن,  ولا يمكن أن تلمح ذلك التباعد الكبير بين الشعر مثلا في المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية والوسطى أو الجنوبية.

ومن فروع الفن الشعبي الأصيل في ليبيا (الزكرة) , وهي آلة نفخ شعبية لا يعرف تاريخها بالتحديد, وتشتهر  الكثير من المناطق بالعزف عليها, خاصة في الجبل الغربي ودرج وغامس والمدن الساحلية مثل الخمس ومصراتة وزليطن ومسلاتة, مع اختلاف الإيقاع بين المنطقتين.

وتتكون آلة الزكرة من : القرون وتصنع عادة من قرون البقر, الدرعان وتصنع من القصب, الشكوة, المنفاخ والعياطات أو الأباليص.

وهناك طقوس ورقصات مميزة تقدم في الأعراس التي تحييها فرق الفنون الشعبية مثل الكاسكا والرمايات .. والكاسكا رقصة معروفة , فيما تعد  الرمايات طقساً من طقوس الأفراح اشتهرت به بعض المناطق المجابرة والحوامد في الجبل الغربي.

ويقف راقصو الرمايات بلباسهم التقليدي وفق تقسيم معين متفق عليه, إما صفا واحدا أو مجموعات ثم تنقسم المجموعة الكبيرة إلى مجموعات صغيرة وفي النهاية لابد أن تختتم الرقصة  كمجموعة واحدة وبعد أن يقوم (البراح) بذكر أسماء المجموعة تعزف النوبة ويتم إرجاع المبلغ الإجمالي وتتحصل الفرقة على نسبة منه.

وبالعودة للحديث عن الزكرة, فإن لها أربع مدارس في الجبل الغربي, ثلاث منها قديمة هي مدارس امحمد اجبيرة, الحفاصة وغرامة وقيطون, أما الحديثة فهي مدرسة العربون الذي كان أول من عزف الأغاني العربية والمرسكاوي والشبابية على الزكرة وأحدث تغييراً في سرعة الإيقاع.

ويعزف على الزكرة بطريقتين هما 1-4 أو 2-2 ,بمعنى أن يوضع إصبع السبابة في الثقب العلوي والسبابة والوسطى والخنصر في الثقوب السفلية حتى وإن كان العازف أشولاً للطريقة الأولى, وهذه المتبعة للعزف عند امحمد اجبيرة وجمعة الكباوي أما 2-2 فهي مشهورة عند عائلة غرامة ابتداء من مسعود إلى الجيل الحالي.

وعندما نتحدث عن مسيرة الفنانين العظماء في هذا الفرع من الفن الشعبي في الجبل فأول من نطرق بابه هو العملاق والفنان الكبير امحمد اجبيرة, الذي ولد في مدينة كاباو سنة 1938, ونشأ بين شعابها وجبالها وكانت البراح الذي نمت فيه هذه الموهبة الفذة , حيث ساهمت أصالة وعراقة كاباو وثقافة أهلها في تكوين موهبته لينطلق بعدها إلى آفاق الشهرة في المناطق المجاورة وخاصة الحوامد والمجابرة ثم إلى ابعد من ذلك ويسطر ملاحم للفن الشعبي, الأمر الذي جعل محبي فنه يتهافتون على حضور الحفلات التي يقيمها سواء كانت أعراساً  أو حفلات عامة ومهرجانات.

ورغم أن شهرة امحمد جبيرة تعدت الآفاق, إلا أنه ظل متواضعاً, ووهب حياته للفن ولإدخال الفرحة والسعادة على قلوب الآخرين, ممن حضروا وصلاته وجولاته الفنية وتطويعه لآلة الزكرة، ليخرج منها النصوص الموسيقية بكل حلاوة وسلاسة.

ونتيجة لذلك أحبه الجميع, كباراً وصغاراً وتتبعوا فنه, فأصبح أي عرس لا يكون حاضرا فيه بلا طعم، ولقبوه بملك الزكرة ، وكان حب الناس أفضل تكريم لمسيرة استمرت أكثر من نصف قرن , كان فيها على رأس فرقة كاباو للفنون الشعبية التي تكونت من فطاحلة عزف الإيقاع مثل المرحوم سعيد المرابط , علي أبوقعرة, عبدالله الزواوي والبراح  الشهير سعيد اجبيرة.

الفنان امحمد أجبيرة احترم فنه ولم يتاجر به، ويحكى أن شخصا وقف أمامه بعد نهاية إحدى الوصلات وقال له: انفخ زكرتك لأسمع صوتها وهذه 500 دينار (عندما كان هذا المبلغ ذا قيمة) .. لكن اجبيرة رفض الطلب مخاطباً محدثه برفضه هذا أن” فنه ليس للبيع”.

وباختصار يمكننا القول أن امحمد اجبيرة فنان من طراز رفيع, فهو خير من نفث أنفاسه في قربة الزكرة وخير من احتضنها وصدح بأنغامها.. تعلقت به القلوب وهفت إليه الأسماع .. احترم فنه واحتل عرش الزكرة بكل جدارة واقتدار، ليصبح مدرسة لا مثيل لها.

 

شاهد أيضاً

الصحافة تطرح إشكالية غياب المكتبات المدرسية على الطلاب والمجتمع في حوارية

التقت اللجنة الثقافية المشكلة بقرار من رئيس الهيئة العامة للصحافة مع عدد من المسؤولين بإدارة …