منصة الصباح
جمعة بوكليب

أولُ ثَلج

جمعة بوكليب
زايد…ناقص

عبر زجاج نافذة، في غرفة نومك، يقابلكَ وجهًا لوجه؛ أولُ ثلج في شتاء هذا العام، نازلًا نُدفًا قطنية كأنّها دموع. دفءُ غرفةِ النوم لا يحول بينك وبين الإحساس الفجائي بقشعريرة باردة، بيضاء اللون، تتسرب إليك، فتنكمش في فراشك بردًا، وتحكم الغطاء حولك، مكتفيًا من مكانك بمراقبة ضيف ثقيل، شاحب ملامح الوجه والنظرات، يُطِلُّ عليك فجأة عبر الزجاج، في ساعة مبكرة صباحًا، مُعلنًا حضورًا غير متوقع. فلا تستطيع أن تُبدي انزعاجًا (أدبًا ولياقةً)، لعلمك أنّه، على غير العادة، أبكر في الحضور هذا العام من دون علم مسبق أو تحذير: فماذا تفعل؟
التمددُ بالحرارة والإنكماش بالبرودة من خواص المعادن، كما علمونا في دروس مادة الفيزياء، لكنه، في الوقت ذاته، ليس حِكرًا عليها، وهذا ما علمتنا إياه مدرسة الحياة. الإنسان أيضًا يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة. ففي فصول الشتاء ينكمش بردًا، ويضطر إلى السير مُقوَّسَ الظهر، بعينين تنظران إلى أسفل اتقاءً للبرد. وفي فصول الصيف يفرد صدره وتطول قامته مثل رمح؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

القلبُ الإنساني يتمدد بحرارة دفء المشاعر والأحاسيس التي تصله من الآخرين: الحبُّ والصحبة والرفقة الطيبة، أو من الإحساس بالانتماء إلى جماعة أو وطن، وإلى لسان وهوّية.

الأحاسيس والمشاعر النبيلة تصل القلب الإنساني على جرعات مكثفة ومتواصلة من جهات متعددة ومختلفة، وتبعث في خلاياه ومساماته الدفء، فيستجيب لها متمددًا في كل الاتجاهات، ويرقُّ حتى يصير مثل ورقة في غصن شجرة تهتز لأول نسمة عابرة امتنانًا لشعوره بالحب وإحساسه بالأمان، فيتمدد جسرًا نحو الآخرين، واستضافتهم ومنحهم الدفءَ والزادَ والأمنَ والأمان.

على العكس من ذلك، تكون الكراهية والحقد والحسد وغيرها من الصفات في قائمة السلسلة الصدئة والرديئة من المشاعر الدنيئة، مثل درجة الحرارة المنخفضة، عامل انكماش وضيق في القلب. وكلما زادت تقلَّص حجمه منكمشًا حتى يفقد شكله الطبيعي، ويتحول إلى ما يشبه المسخ أو أسوأ.

شاهد أيضاً

مفتاح المصباحي

كفّوا أيديكم عن ليبيا..

مفتاح المصباحي ما أعاد ذاكرتي إلى ذاك اللقاء وذلك التصريح، هو ما نشرته البعثة الأممية …