منصة الصباح
أوكرانيا من قوة نووية إلى دولة في حرب.. هكذا يحاول ترامب إنهاء الأزمة

أوكرانيا من قوة نووية إلى دولة في حرب.. هكذا يحاول ترامب إنهاء الأزمة

بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي عام 1991، برزت أوكرانيا كإحدى أهم الجمهوريات السابقة وأكثرها قدرة على التحول إلى قوة إقليمية كبرى.

فقد ورثت الدولة الوليدة حينها جيشًا قوامه نحو 700 ألف جندي، إضافة إلى بنية عسكرية وصناعية ضخمة تشمل مصانع دبابات ومنشآت لبناء الطائرات ومجمعات لإنتاج الصواريخ، إلى جانب واحدة من أكبر الترسانات النووية في العالم.

هذا الإرث العسكري جعل أوكرانيا في موقع استراتيجي حساس ضمن التوازنات الأوروبية الروسية.

من قوة نووية إلى دولة منزوعة السلاح

في منتصف التسعينات، وبضغط أميركي أوروبي، وقعت كييف على مذكرة بودابست عام 1994 التي تنازلت بموجبها عن كامل ترسانتها النووية مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا.

كان الغرب يخشى وجود أكثر من دولة نووية في الفضاء السوفيتي السابق، لذلك شجّع كييف على تفكيك سلاحها النووي وتقليص جيشها وتحويل مصانعها العسكرية إلى الصناعات المدنية.

وبحلول مطلع الألفية، كانت أوكرانيا قد تحولت من قوة عسكرية كبرى إلى دولة تعتمد بدرجة كبيرة على الحماية الغربية، دون امتلاك قدرة دفاعية كافية لمواجهة تهديدات استراتيجية بحجم روسيا.

اقتصاد متنوع قبل سنوات الحرب

اقتصاديا، ورثت أوكرانيا قاعدة صناعية ثقيلة، خصوصًا في الشرق (دونيتسك ولوغانسك)، وزراعة واسعة في الغرب والوسط جعلتها أحد أكبر مصدّري الحبوب في العالم.

لكن الإصلاحات الاقتصادية غير المستقرة، وصراع النفوذ بين الأوليغارشية، والتجاذبات السياسية بين الشرق الموالي لروسيا والغرب الموالي لأوروبا، أضعفت البلاد تدريجيًا.

الحرب مع روسيا دعم غربي محسوب

منذ عام 2014، مع ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم وتصاعد النزاع في إقليم دونباس، دخلت أوكرانيا مرحلة جديدة من الصراع العسكري.

أما بعد عملية الغزو الروسي الواسع في فبراير 2022، فقد وجدت أوكرانيا نفسها في مواجهة مباشرة مع واحدة من أكبر الجيوش في العالم.

ورغم التأكيدات الغربية بالدعم “غير المحدود”، إلا أن هذا الدعم بقي مرحليا ومحسوبا. فالولايات المتحدة وأوروبا زودتا كييف بأسلحة دفاعية وصواريخ بعيدة المدى، لكنهما امتنعتا عن تقديم أسلحة قد تغير ميزان الحرب جذريا أو تضعهما في مواجهة مباشرة مع موسكو.

كذلك تأخر الدعم الاقتصادي واللوجستي في فترات حرجة، ما جعل الأوكرانيين يشعرون بأنهم يقاتلون وحدهم بينما العالم يكتفي بالمراقبة.

لماذا أبقت واشنطن وأوروبا الحرب “تحت السيطرة”؟

يرى محللون أن الغرب تعامل مع الحرب بوصفها فرصة لإضعاف روسيا دون التضحية بجندي غربي واحد، وهو ما جعل المساعدات العسكرية تُقدّم بوتيرة بطيئة تكفي لاستمرار صمود كييف، لكن دون السماح لها بالحسم الميداني.

وبذلك أصبحت أوكرانيا ساحة صراع استنزاف طويل بين روسيا والغرب، يدفع ثمنه الشعب الأوكراني من أمنه واقتصاده واستقراره.

ترامب يعود… وسعي واضح لإنهاء الحرب

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تغيّر المشهد الدولي تجاه الحرب الأوكرانية. ورغم مواقفه السابقة التي اتّسمت بالتشكيك في جدوى دعم كييف، إلا أنه اليوم يبحث بوضوح عن مخرج سياسي سريع للأزمة، انطلاقًا من عدة اعتبارات
إيقاف استنزاف الغرب

ترامب يرى أن استمرار الحرب يضرّ بالاقتصاد الأميركي والأوروبي، ويرفع أسعار الطاقة ويدفع أوروبا نحو أزمات أمنية واقتصادية متتالية.

منع روسيا من تحقيق مكاسب استراتيجية

على الرغم من خطابه الصارم تجاه الحلفاء الأوروبيين، إلا أن إدارة ترامب تدرك أن روسيا القوية بعد الحرب قد تغيّر موازين القوة عالميًا، لذلك تسعى إلى حلّ يمنع موسكو من تحقيق نصر كامل.

تخفيف التوتر العالمي والتركيز على الصين

ترامب يعتبر أن التحدي الأكبر للولايات المتحدة هو الصين، لا روسيا، ويريد إنهاء حرب تستنزف قدرات واشنطن وتشتت أولوياتها الاستراتيجية.

ضغوط داخلية لإنهاء التمويل

جزء كبير من الكونغرس والناخبين يرى أن الإنفاق على أوكرانيا تجاوز الحدود، وأن على واشنطن إيجاد حل سياسي وليس تمويل حرب مفتوحة.

ما الذي يمكن أن تقدمه مبادرة ترامب؟

تشير التوقعات إلى أن إدارة ترامب قد تدفع نحو:

وقف إطلاق نار مؤقت يجمّد خطوط التماس.

تسوية سياسية تضمن لأوكرانيا الأمن والاندماج الأوروبي مقابل صيغة تفاوضية حول المناطق المتنازع عليها.
اتفاق أمني مشروط يضمن عدم انضمام كييف للناتو مقابل ضمانات أميركية مباشرة.

إلا أن هذه المقترحات قد تواجه رفضًا أوكرانيًا، لأنها قد تُرسخ واقع السيطرة الروسية على أجزاء من الشرق والجنوب.
أوكرانيا بين إرث الماضي ومستقبل غامض

اليوم، تبدو أوكرانيا في وضع حرج:

دولة فقدت ترسانتها النووية، وضعفت قدراتها العسكرية قبل الحرب، وتعتمد على دعم غربي لا يصل إلى مستوى الحسم، وتواجه روسيا بقوة عسكرية ضخمة.

وبين كل ذلك، تحاول إدارة ترامب رسم طريق يؤدي إلى إنهاء الحرب دون خسارة مكانة الولايات المتحدة أو انتصار روسيا.

ويبقى مستقبل أوكرانيا معلقًا بين إرث دولة كانت تمتلك واحدًا من أقوى جيوش العالم، وحرب مفتوحة لا تبدو نهايتها قريبة، رغم تعدد المبادرات والمساعي الدولية.

شاهد أيضاً

تحرّك أميركي لتصنيف "الإخوان" جماعة إرهابية

تحرّك أميركي لتصنيف “الإخوان” جماعة إرهابية

الصباح/ طارق بريدعة عاد ملف جماعة “الإخوان المسلمين” إلى دائرة الضوء عالميًا، عقب توقيع الرئيس …