إطلالة
بقلم / جمال الزائدي
1130 قتيلا و 5750 جريحا وأكثر من 140 ألف مهجر وآلاف المنازل والمنشآت الخاصة والعامة تم تدميرها ، حصاد الحرب في العاصمة طرابلس حتى اللحظة حسب إحصاء مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة..والأرقام قابلة للارتفاع بشكل مضطرد في كل يوم بل في كل دقيقة..
هذه ليست مجرد قيم عددية مجهولة في معادلة جبرية صفرية ..بل ندوب غائرة في جدار الوطن المتداعي ..ورصيد مخصوم من مستقبل الأجيال..سيستغرق تعويضه زمنا قد يطول أو يقصر وسيستهلك جهدا وأموالا يعلم الله وحده إذا كنا سنستطيع توفيرها أم لا.. لكن في النهاية الفاقد المادي والبشري على فداحته ليس هو اكبر خسائرنا ، عندما نقارنه بحجم الأذى الذي طال ما نسميه النسيج الاجتماعي ومنظومة السلم الأهلي المتماسك حتى وقت قريب .. والانكأ من ذلك عندما نقارنه بالآثار بعيدة المدى على عقول ووجدانات ونفسيات اولادنا الذين تعطلت مدارسهم وجامعاتهم وسط فوضى القذائف والصواريخ العشوائية التي تتساقط على غرف نومهم وفصولهم الدراسية ووسط مشاهد القتل الوحشية للأبرياء وغير الأبرياء.. ما تقوله دراسات علمية لمراكز بحثية دولية عن حاجة ستين بالمئة من الشعب الليبي لعلاج نفسي وعقلي نتيجة ظروف الحرب التي يعيشها منذ سنوات ، تعكس حجم الدمار في أساسات غدنا وممكنات مستقبلنا ..
أم الكوارث أننا نخبة وعواما ، نتحدث عن الحرب وضروراتها ومبرراتها الموضوعية والمنطقية وفواتيرها المقبولة كأن مايحصل ..يحصل هناك في بلاد بعيدة او كوكب آخر لاتعنينا المخلوقات التي تسكنه ..او كأن الجنس البشري الذي يفترض أننا ننتمي إليه لم يتوصل بعد لحل خلافاته ومشاكله بطرق وأساليب أخرى أكثر إنسانية وتحضرا من إشعال الحروب الأهلية وتبادل القتل بأريحية الوحوش ..
نحن الليبيين نحتاج إلى الالتحام بالزمن الإنساني الراهن وتجاوز تهويمات التاريخ القبلي والعرقي التي نبذها العالم ..نحتاج إلى النضج الاجتماعي والسياسي من خلال استعارة ما ينفع في تجارب شعوب أخرى مرت بذات التجربة والمحنة ودفعت أثمانا باهظة لتصل إلى ذات النتيجة التي تقول إن الحروب الأهلية لا تحل مشكلة ولا تورث غير الخسران والحسرة والضعف..
على سبيل المثال الشعب الرواندي الذي مر بتجربة أكثر من قاسية وأكثر من وحشية ، تلمس في النهاية طريق خلاصه بالعودة إلى مبدأ قبول الاختلاف والتنوع واستخدام المنطق العام والاحتكام للأساليب الديمقراطية ، لينهض المارد الرواندي من تحت الرماد كقوة اقتصادية بازغة في القارة الإفريقية ودولة وطنية محترمة إقليميا وعالميا.. قبلها دولة جنوب إفريقيا التي غادرت قرونا من الظلم والميز العنصري وتجنبت ويلات حرب أهلية لا تبقي ولا تذر بفضل حكمة زعيمها التاريخي نلسون مانديلا والنخبة السياسية الواعية ..
صحيح جدا أن ما يحدث الآن وما حدث طوال السنوات الماضية في بلادنا يصعب تجاوزه بسهولة ، لكنه ليس أسوأ مما إختبره الروانديون وشعب جنوب إفريقيا ..لابد ان نتمسك بأهداب الأمل حتى ونحن نتخبط في وحل المحنة.