منصة الصباح

أقانيم  الدين الابراهيمي – 4

علي عبدالله

 

لكن يظل الصدى مجرد صدىَ صدى صوت من الأصوات ليس هو الصوت نفسه ، بل حكاية له ليست ( مهما يكن من دقتها ) ماعليه ذلك الصوت فعلاً  ، فالصدى أشبه بانعكاس جسم في مرآة وبالظل  وكذلك بالشعار وإذا كانت صورة جسم في المرآة تُبديه مقلوباَ فتجعل يمينه يساراَ ويساره يميناَ ، فإن الصدى يجاوز عادة ذلك القلب فيما يحدثه من آثر بالصوت الذي يحاكيه ، وشأن ما تعكسه المرآة فالشعار بدوره مجرد صدىً ، ولا ضير في أن يتساءل الَمرء عن العلاقة بين ( الحرية ) كقيمة إنسانية سامية وحلم لكل إنسان ، وبين تمثال الحريةالذي لاتنفي وجاهته ولا ابهته أنه مجرد هيكل معدني أجوف وفارغ ، إلى ذلك فالظل ليس شيئا حقيقياً  لكنه إعلان عن وجود شيء حقيقي وعن ضوء يحتوي ذلك الشيء .

وإذن فما يقوله صدى سؤال المعنى  ، مهما تباينت ترددات ذلك الصدى واختلفت مستويات وضوحه من إبهامه،  وشدته وخفوته ،ما يقوله الصدى  : – هو أن ( المنطلق والمآل )  محور ذلك السؤال وهو شاغله الأساسي ، ففيما بين المبدأ والمصير حيز بحجم عمر الإنسان منذ لحظة ميلاده وحتى لحظة موته ، لكن إن  حدت كلتا اللحظتين ذلك السؤال ، كتخمين نهائيين له أو كقوسين يحاصران حروفه ، فليس بمقدورهما أن تحددا دلالته أو تختزلا أبعاده فيما بينهما ، إذ أن سمة ذلك السؤال الأساسية ، أهليته لتجاوز تخوم الزمن ومشارفة آفاق المطلق فهنالك فقط يجد تحققه وانتماءه .

ووفق هذا الفهم فإن اصطباغ سؤال المعنى بسمات شخص ما أو مجتمع من المجتمعات البشرية أو ثقافة أو ، وهو ما يمكن أن يتبدى من خلال إجابة ذلك الفرد أو المجتمع أو الثقافة أو   وهو إجابة نسبية بحكم انتماءها ، وموسومة بمدى استيعاب من تصدر عنه لذلك السؤال ومستوى فهمه إياه ، ومحصورة في حدود الوضع البشري الذي يعيش فيه ويعايشه ، وقد تكون مفارقة ألّا ينتقص قصورنا عن استيعاب كلية ذلك السؤال ومحدودية قدرتنا على سبر أغواره واستكشاف كامل أبعاده ، وذلك بإزاء حقيقة أنه سؤال يعانق المطلق الذي لا يكون أي نسبي بإزاءه إلّا ناقصاً ، ويتوحد معه ،  لكن ليست تلك المفارقة في الواقع غير مهماز يخز كل واحد منا ، ودعوة للإنسان إلى الإنتباه والإلتفات إلى تلك الوجهة ( وجهة المطلق ) والبحث فيها عن ذاته ووجوده اللذين يفتقدهما في واقعه مع مايمكن أن يكون لهما من معانٍ وقيمٍ ، دعوة للإنسان إلى التحرر من أسر الراهن الزنخ الذي يطبق بقبضته الخشنة على خناقه وينشب مخالبه القذرة في حلقومه ، هي دعوة لنا جميعاً إلى الثورة على الذات وعالمها وما يكبلاننا به من تبلد وابتذال واستكانة .

إنها مفارقة تخبرنا أن من وجهة المطلق يجيء نداء الفطرة .

فماهي الفطرة إذن علّنا حين نعرفها نقي أنفسنا من الانخداع في الأصداء وتوهم أنها صوت نداءها ؟ وما تكونه فعلاً ؟ .

إن مفردات مثل الجِبِلَّةِ والسليقة والطبيعة والسجيّة والغريزة تستعمل عادة في الحديث عن الفطرة أو لتفيد ما تعنيه الفطرة وتدل عليه ، لكن يعتورها جميعاً من النقص وقصر النفس وذلك لأسباب لعل من بينها قصر بعضها على حقل معرفي دون غيره ، مثال ذلك أن استعمال مفردة ( الغريزة ) يكاد يكون مقصوراً على علوم النفس والبيولوجيا ، في حين تبدو مفردة ( الطبيعة ) محدودة بعلوم الفيزياء والفلك ، أما ( السجية ) فمدارها المباحث المناقبية والأخلاقية ، ثم أن ( الفطرة ) كلفظ وكدلالة أيضاً ، أكثر شمولاً من تلك المفردات . وهي تستوعبها  وتبوح بها جميعاً .

شاهد أيضاً

ليبيا الكرة الطائرة

المنتخب الليبي للكرة الطائرة يُنهي معسكر الجزائر في رحلتها نحو المونديال

اختتم المنتخب الليبي الأول للكرة الطائرة مساء الإثنين مشاركته في بطولة الصداقة الدولية بالجزائر، بهزيمة …