أشرعة
بقلم / جمال الزائدي
«أفيكوات» تجربة أخوضها على الفضاء الازرق أسجل من خلالها تفاصيل يوميات من الواقع توثيقا للمرحلة التي نعيشها من منظور شخصي تعتريه بعض الاسقاطات الثقافية والسياسية بلغة مكثفة تحاول تجنب الثرثرة المجانية.. أعرض للمرة الثانية عبر هذه الزاوية نماذج منها ..
9 فبراير
أترى متعة أن تعشقك أجمل نساء الأرض ..أو أن تصحو فجأة وتعرف أن لديك حسابا سريا في سويسرا به ملايين اليوروات المعفية من الضرائب ..أو أن يتفق الفرقاء في بلادك على تعيينك سفيرا متجولا حول العالم..كل ذلك وأكثر لا يساوي متعة رؤيتي لأطفالي وأطفال أحياء بوسليم هذا الصباح وهم يحملون صلبانهم على أكتافهم ميممين صوب الخلاص نحو مدارسهم ومعاهدهم بعد انقطاع اكثر من شهر بسبب الحرب المشتعلة على بعد امتار ..كان مشهدا بلل مآقي بماء مالح لذيذ الطعم أنا الذي ما عاد شيء يثير شجني أو فرحي منذ أمد طويل.. في الافيكو كانت وجوه الركاب غير الوجوه ..ثمة رمق ضئيل من الامل يسري فيها ..أكان ذلك تحت تأثير مشاعري الشخصية أم غير ذلك ..؟ لا أعلم بالضبط ..
عندما حشرت نفسي في كرسي شاغر بالصف الاخير ساورني شعور أن روح الاسكندر الأكبر قد حلت بجسدي واني الآن اجلس على عرش العالم..
صباح النور يا رفاق..
4 فبراير
صباح الخير..اليوم بالكاد استطعت ان انهض من فراشي بصعوبة لأداء الطقوس الصباحية المعتادة ..كان البيت هادئا تماما بعد ان قرر اطفالي ووالدتهم يوم أمس الانتقال مؤقتا الى بيت خالتهم الذي يبعد عن بيتنا حوالي 100 متر بحثا عن ونس وأمان تلاشى من قلوبهم بسبب الوابل العشوائي الذي إنهمر على شارعنا ..في الخارج كان الهدوء أكثر وخزا وازعاجا لأنك حتى ولو لم تكن قارئا متمرسا للملامح سترى بوضوح مظاهر القلق والترقب التي احتلت وجوه الناس..عند المحطة لم يكن ثمة احد سواي وسيدة في عمر محايد بملابس أنيقة رغم بساطتها وابتسامة رشيقة ارتسمت على شفتيها كأنها دعوة مفتوحة وغير مؤكدة – على حد تعبير كونديرا – إلى وليمة مترفة ..
الإفيكو شبه خاوية وكان هناك حديث يجري بين السائق العجوز وأحد الركاب في الصف الأمامي ، حول استئناف الدراسة بمنطقة بوسليم ..السائق كما بدا من حديثه لايحبذ الامر في ظل الاوضاع الامنية غير المستقرة والاخر كان يردد باصرار قوله : إذا كان على أطفالنا ان يموتوا بالقذائف والصواريخ العشوائية في بيوتهم فمن أولى ان يموتوا وهم في مدارسهم يجاهدون من اجل غد افضل ..
3 فبراير
لا شحوب صورته كاميرات هوليوود او قصص فرانز كافكا المرعبة يمكن ان يشبه الشحوب الذي رأيته بأم العين في وجوه جيراني من اطفال وعجائز هذا الصباح بمن فيهم الشباب الأفارقة الذين تعرضت منازلهم لإصابة مباشرة ..في الطريق إلى محطة الانطلاق كانت الازقة والشوارع التي امر بها شبه خاوية سوى من بعض القطط القذرة ..وللمفارقة كانت الإفيكو التي استقللتها تعج بالركاب من مختلف الاعمار أكثرهم فتيات ونساء تحولت وجوههن إلى حدائق تغص بالالوان المفرحة كأن عزرائيل لم يمر بمنجله القاطع من هنا قبل لحظات ..كنت أترنح مع كل وقفة مفاجئة او انطلاقة مستعجلة وكانت افكاري في تطابق تام مع حركة الاجساد المتماوجة التي تشاركني وقفتي غير المريحة..لم تكن بي رغبة ولاقدرة على المساهمة او الانصات لأي حديث ..لذا استسلمت لصخب الفكرة الاساسية التي استولت على عقلي : كيف للحياة ان تتحول إلى حادث عارض كالموت غيلة تماما..بالصدفة تحيا لان الصاروخ اخطأ غرفة نومك وسقط في غرفة نوم جارك ..بالصدفة تحيا لأن الشظية تجاوزت شرايين عنقك بسنتمترات واستقرت في صدر محظوظ آخر كان يسير الى جانبك..