الصباح تحاور مدير إدارة المفرقعات ومعالجة المخلفات بالهيئة الوطنية للسلامة
اللواء علي الطاهر القاضي
حاورته: صالحة اهويدي
كيف تصف وضع الإدارة بين الماضي والحاضر؟
كان نشاط الإدارة قبل عام 2011 يقتصر على التعامل مع مخلفات الحرب العالمية الثانية، التي كان يُعثر عليها أثناء عمليات الحرث أو في المناطق البعيدة والمفتوحة، بالإضافة إلى تنظيف ساحات الرماية. لكن بعد عام 2011، تغيرت الأمور بشكل كامل، حيث أصبحت الاشتباكات تدور في قلب المدن والأحياء، مما أدى إلى تزايد حجم المخلفات الخطرة التي تحتاج إلى التعامل معها.
مساعدة أممية غير كافية
مع هذا الوضع الجديد والمربك، مدت لنا الأمم المتحدة يد العون من خلال دورات تدريبية حول كيفية التعامل مع المخلفات، سواء من حيث النقل والإتلاف، أو من خلال دورات إسعافية أولية حول حالات البتر وكيفية إسعاف المصابين. كما قدمت لنا بعض المعدات، لكن كل ذلك يبقى غير كافٍ أمام الاحتياجات المتزايدة.
في عام 2024، تلقت الإدارة 810 بلاغات، وتم إتلاف 9.5 طن من المخلفات.
ما هو السياق الذي تصل فيه البلاغات إلى الإدارة؟
أغلب البلاغات ترد من المواطنين، وبعضها يأتي من الجهات الأمنية، وهي لا تتوقف، خاصة في جنوب طرابلس، وتحديدًا في الخلة، ووادي الربيع، وقصر بن غشير، نظرًا لطول أمد الحرب في هذه المناطق.
بحكم العادة، أصبحنا كلما حدثت اشتباكات نكون على أهبة الاستعداد، وأحيانًا نتوجه إلى مواقع الأحداث من تلقاء أنفسنا قبل ورود البلاغات. حتى الأمطار الأخيرة في طرابلس كشفت عن الكثير من المخلفات والقذائف، مما زاد من حجم التحديات التي نواجهها.

لا تأمين… لا إضافي… ولا مكافآت
ما هي أوضاع العاملين المادية في الإدارة مقارنة بخطورة عملهم؟
لا تأمين، ولا علاوات إضافية، ولا مكافآت. الشباب يقومون بعملهم رغم خطورته، بدافع المسؤولية الدينية والوطنية، ورغبة في إزالة الأذى عن المواطنين.
رئاسة الهيئة ونائب الرئيس يحاولان جاهدين تحسين الأوضاع، لكن الموارد محدودة. حتى رئيس حكومة الوحدة الوطنية زارنا ووعدنا بتوفير تأمين ومزايا للعاملين، لكن للأسف، لم يتحقق شيء من ذلك.
تحديات وقلة إمكانيات
هل تتوفر للإدارة الإمكانيات المناسبة؟
الإدارة تفتقر للإمكانيات الأساسية، ومعداتنا قديمة جدًا. وأقولها عبر منصتكم: نحن لا نملك شيئًا.
الجميع يدرك أن احتياجات إدارة المفرقعات تختلف عن بقية المؤسسات، ومع هذا الشح في الموارد، نواجه تحديات كبيرة، مثل ظهور أنواع جديدة من القذائف التي لم يسبق لنا التعامل معها، كالقنابل العنقودية والفوسفورية، التي يشكل الأكسجين فتيل إشعالها، مما يضطرنا إلى غمرها بالمياه أو دفنها في التراب، اعتمادًا على خبراتنا السابقة وضباط الهندسة.
إضافة إلى ذلك، هناك خطر المفخخات، وهو من اختصاص هندسة الميدان والمباحث الجنائية، لكنه يقع ضمن نطاق عملنا في ظل غياب الدعم الكافي.

“دانيال” كشف الحقيقة
وأضاف اللواء القاضي: “لا أدل على افتقارنا للإمكانيات مما واجهناه عند توجهنا إلى درنة عقب كارثة دانيال. كنا، بلا مبالغة، صفرًا، ليس مقارنة بالإمكانيات الأوروبية، بل حتى مقارنة بالدول المجاورة مثل تونس والمغرب والجزائر.”
حوادث وإصابات
تحدث اللواء القاضي عن بعض الحوادث التي تعرضت لها الإدارة، من بينها:
•في عام 2019، سقطت قذيفة على مقر الإدارة في قرجي، ما أدى إلى انفجار المخلفات المخزنة هناك، وأسفر عن إصابة عدد من العناصر، بعضها بترت أطرافه.
•أثناء تفكيك لغم في أحد المنازل جنوب طرابلس، انفجر لغم آخر كان مخفيًا، ما تسبب في العديد من الإصابات، بين بليغة ومتوسطة.
ورغم كل ذلك، فإن علاج المصابين يتم عن طريق الطب العسكري، دون أن يكون للدولة أي دور مباشر في رعايتهم.
أعدنا 1500 عائلة إلى منازلهم

وأكد القاضي أنه رغم قلة الإمكانيات وخطورة العمل، إلا أن الإدارة مستمرة في أداء واجبها أمام الله والمجتمع. وقال:
“من المستحيل ألا نستجيب لأي بلاغ، مهما كان نوع القذيفة. نحن ندرك تمامًا معاناة أصحاب المنازل والمزارع، وظروفهم الصعبة بسبب الإيجارات المرتفعة أو الإقامة المؤقتة لدى الأقارب. ولذلك، عملنا جاهدين في جنوب طرابلس، واستطعنا وحدنا إعادة 1500 عائلة إلى ديارهم.”
الحل في توحيد الجهود
ما هو الحل من وجهة نظركم؟
التوحيد. يجب توحيد جهود إدارة المفرقعات، وهندسة الميدان، والمباحث الجنائية، والمركز الليبي للأعمال المتعلقة بمخلفات الحروب تحت إدارة واحدة، تكون مدعومة ماليًا، ومزودة بالإمكانيات والمعدات الحديثة، وتستقطب دماءً جديدة من العناصر الشابة.
نحن نعاني من نقص في الكوادر بسبب التقاعد والإصابات، ونحتاج إلى تدريب متقدم ودعم دولي مستمر.
وأخيرًا، أناشد رئيس الحكومة بتشكيل هذه الإدارة والإشراف المباشر على عملها، وعلى هيئة السلامة ككل. وإن لم يتم تحسين الأوضاع، فقد نكون على شفا كارثة، كتلك التي وقعت في ورشفانة، حيث انتهى لعب الأطفال يوم الجمعة بانفجار أودى بحياة 7 أطفال على الفور، وأصاب اثنين آخرين بجروح خطيرة.