حنان علي كابو
من جين أوستن إلى عبد الفتاح كيليطو، ومن أبو فراس الحمداني إلى امرأة مجهولة فقدت أبناءها في الحرب، مرورا بشاعر الحداثة بخيت الي الطويبي ونيرودا إلي من لا يشبه الا نفسه في الكتابة الورفلي سراج ، تتنوع الإجابات حين يُطرح سؤال “لو أتيح لك القدر أن تلتقي شخصية أدبية، المفضلة لديك مع من ستكون؟”
في هذا الاستطلاع، نقترب من خيالات ووجدانات كتّاب وشعراء ، نصغي لاختياراتهم التي تُضيء علاقتهم بالأدب والحياة والإنسان. إجابات تعبّر عن الذات، وتختزن رؤى إنسانية عميقة،
آمنة الأوجلي: جين أوستن وقيم لا يليق أن تغيب
أعربت الشاعرة آمنة الأوجلي عن إعجابها العميق بالأديبة الإنجليزية جين أوستن، التي اعتبرتها أكثر من روائية:

“أحب كتابتها كثيرًا، ورواياتها التي اشتهرت بها ومُثّلت كأفلام، ومن أشهرها العقل والعاطفة وإيما. جين أوستن تمثّل بالنسبة لي حب الآخر، والاهتمام بالعائلة، واللطف، واللياقة، والكرامة. كلها أسس وقيم إنسانية خالدة لا بد من التمسك بها، خصوصًا في مجتمع باتت المادة تسيره، والكبرياء والتغطرس وعدم احترام الاختلافات تسوده.”
ورغم أنها من عصر بعيد (1775–1817)، ترى الأوجلي أن أعمالها تتجاوز الزمن:
“تحليلها لشخصيات رواياتها، وقصائدها، كلها تصب في إطار الوعي الذاتي والتطور الأخلاقي. وهي في جوهرها تتوافق مع أسس ديننا الحنيف: الحكمة، الود، اللطف، التخطيط، والتفكير في عواقب أفعال الإنسان.”
علي جمعة اسبيق: أنصفوا أبا فراس الحمداني

اختار الكاتب علي جمعة اسبيق أن يُنصت لصوت طالما ظُلم في ظلال الكبار، هو أبو فراس الحمداني، فيقول:
“أبو فراس الحمداني ظُلِم كثيرًا في وجود المتنبي. فهو أفضل منه شعرًا، أو في أسوأ حال، مثله. لكن لأنه من بيت الإمارة، فقد خافوا منه، وليس من المتنبي، فتم تهميشه. إنه مزمار حي هُمّش لأنه خُشي صوته.”
مروة آدم: أريد أن أجلس مع عبد الفتاح كيليطو

تقول الكاتبة والشاعرة مروة آدم إن هذا السؤال يراودها دائمًا، خاصة حين تقرأ لأدباء أو مفكرين ألهموها، لكنها وجدت نفسها تستقر على اسم واحد: عبد الفتاح كيليطو.
توضح قائلة:
“عبد الفتاح كيليطو هو أقرب للأدب وأكثر التصاقًا به من كل المفكرين الذين حلمت بأن ألتقي بهم. منحني الجرأة والمغامرة كقارئة، فقد علمني كيف أقرأ النصوص التراثية من زوايا مختلفة، بقلبٍ مغامر لا يهاب الانتقاد أو التجريم. كيليطو لا يبحث في النص إلا ليكشف لنا زاوية لم نكن لنراها لولا نظرته.”
وتُضيف عن الأثر الذي تركه فيها:
“عندما أقرأ له، ينبعث في عقلي روح المغامرة، فأشعر أن كل نص قابل للقراءة من زاويتي، حتى لو كانت رؤيتي ضئيلة ومحصّلتي متواضعة. قراءته منحتني مرونة عقلية، جعلتني أرى أن في كل قصة قصصًا كثيرة تنتظر من ينكشها، وأن حتى الترجمة المشوّهة تُثري النص، تمامًا ككل قراءة منحرفة تضيف دلالات جديدة.”
ثم تختم بشغفها قائلة:
“كيليطو بالنسبة لي يعني الحكاية والتأويل، بين الغرابة والارتياب. هو من يجعلنا نعرف أن التخلّي عن الأدب هو ما ساهم في استمرار الأدب.”
معتز بن حميد: أريد الجلوس مع الذين لم تُكتب حكاياتهم بعد
أما الكاتب معتز بن حميد، فقد اختار الخروج من السياق الكلاسيكي، ليعلن أنه لا يرغب في الجلوس مع شخصية أدبية معروفة، بل مع شخصية لم تُكتب بعد، لكنها حاضرة في كل يوم:

“سأختار الجلوس مع أمّ مكلومة فقدت أبناءها في حروب البشر المدمرة، أو لاجئ يحمل وطنه في حقيبة، أو طفل تائه لا يملك سوى حلم بسيط. هذه الشخصيات تلهمني، وتهمس لي بما يجب أن يُقال.”
ويُضيف معتز:
“أكتب لأن الكتابة ليست وجهًا جماليًا للواقع، بل محاولة لفهم الألم، وترميم الصدوع، وإشعال فتيل صغير من نور الحق وسط هذا العُتم الإنساني المخيف.”
ويختم بقوله:
“الشخصية التي أود الجلوس معها هي شخصية إنسانية تحمل في نظرتها سؤالًا حيًّا: ‘اكتبني؛ كي لا أموت مرتين’. وكل كتابتي تبدأ من هناك… من تلك النظرة، ومن ذلك الرجاء.”
من وديان عبقر إلى بحور القصيدة: دهشة الفرجاني أمام تجربة أحمد بخيت

“أتمنى لو تسنح لي فرصة الجلوس مجددًا مع الشاعر أحمد بخيت، لأسأله: كيف استطاع أن يُدخل الحداثة إلى القالب العمودي الكلاسيكي بهذه البراعة النادرة، من دون أن يُغرق المعنى في الرمز أو التصوير؟ ومن أي وديان عبقر يتنزّل عليه هذا الإلهام؟”
بهذه الكلمات عبّر الشاعر عصام الفرجاني عن إعجابه العميق بتجربة الشاعر المصري أحمد بخيت، الذي يُعدّ أحد أبرز المجددين في القصيدة العمودية المعاصرة، إذ نجح في أن يُزاوج بين جزالة اللغة ومجازات الحداثة دون أن يُفقد القصيدة وضوحها أو نبضها الإنساني.
سعاد الشويهدي: بين نيرودا والطويبي… الشعر لونٌ آخر للحياة
“لو قيل من ليبيا، فأود الجلوس مع الدكتور عاشور الطويبي” — بهذه العبارة تبدأ الشاعرة والفنانة التشكيلية سعاد الشويهدي حديثها عن أحد الرموز الثقافية الليبية التي تثير فضولها وإعجابها، لا باعتباره طبيبًا وحسب، بل لأنّه مثقّف اتّخذ من الأدب والفن نمط حياة، فكان الطبيب الذي يترجم، والشاعر الذي يرسم، والفنّان الذي يُعبّر بلغة مزدوجة: الكلمة واللون.

ترى الشويهدي أن أعمال الطويبي التشكيلية ليست مجرد تجارب فنية، بل خطابات بصرية تعبيرية عفوية، نابعة من عقل علمي خاض تجربة طويلة في الترجمة والأدب والتشكيل، في رحلة لا تخلو من المغامرة والاطلاع والجرأة في استكشاف أدوات متعدّدة كالكلمة، واللون، وحتى “التشريح” بوصفه امتدادًا للوعي الجسدي والعلمي.
أما على الضفة الأخرى من العالم، فتميل روحها إلى شاعر تشيلي العاشق، السياسي المتمرّد، بابلو نيرودا، الذي لا تراه مجرد شاعر، بل “مناضل”، بمعنى النضال الأوسع: نضال ضد العدم، ضد الموت، وضد انطفاء الحياة. تستشهد بجملته الشعرية: “من أين يأتي الشعر؟ من البحر أم من السماء؟”، وتعتبرها صيغة من الغموض والدهشة الممتزجة بوجع الكتابة، تلك التي تكشف عن جوهر الشاعر الذي يسلط ضوءه على مكامن الروح الخفية.
ما بين الطويبي ونيرودا، تتضح خريطة إلهام سعاد الشويهدي: تقاطعات بين الطب والفن، بين الوعي الجمالي والالتزام الإنساني، بين الحس الوطني وروح الشعر التي تتجاوز الجغرافيا.
محمد بوعجيلة: سراج الدين الورفلي يكتب بما يشبه الحكمة المنسية
يرى القاص والمصوّر الفوتوغرافي محمد بوعجيلة أن الكاتب سراج الدين الورفلي هو الشخصية الأدبية التي يود الجلوس معها لو أُتيح له ذلك.

يعزو اختياره إلى خصوصية الكتابة لدى الورفلي، وهدوئها الآسر الذي لا يحتاج إلى ضجيج ليفرض حضوره.
يقول بوعجيلة إن الورفلي لا يشبه أحدًا، وإنه يكتب بنبرة خافتة تضيء الداخل، لا الخارج. ويتابع:
“أتابعه منذ سنوات، أقرأه على مهل، وكأن كلماته ضوء خافت في غرفة مزدحمة بالفوضى. لا يرفع صوته، ولا يطلب انتباهك، لكنه يأخذك دون أن تشعر، إلى تلك المساحة التي لا تطالها الكاميرات ولا القصائد المزوّقة.”
ويضيف أن الجلوس مع الورفلي لا يحتاج إلى الكثير من الكلام، بل إلى الصمت، إذ أن بعض الكُتّاب يفهمون بعضهم دون حاجة إلى شرح أو تفسير.
“أشعر أننا نكتب عن الشيء نفسه، لكن بلغتين مختلفتين: هو يكتب بما يشبه الحكمة المنسية، وأنا ألتقط الصورة بما تبقّى من دهشة.”
ويختم حديثه قائلًا:
“سراج لا يكتب كثيرًا، لكنه حين يكتب، يُشبه من وجد المعنى وخاف عليه من الضياع.”