منصة الصباح

أسئلة بعيدة عن البراءة

محمد الهادي الجزيري

من قبيل الدردشة والتنفيس للنفس التي ملّت كلّ شيء ..كما ملّها كلّ شيء ، لي أسئلة مبطنة بالحيرة والارتباك ، أحاولها داخل هذا النصّ ، لعلّني أشفى ممّا أنا متخبط فيه ..، فمن ايجابيات هذا الزلزال الرهيب الذي خلخل الوطن العربي ودكّ مسلّمات كثيرة ، أنّه ألقانا جميعا في هوّة أسئلة حارقة ، وبصفتي مواطنا عربيّا إلى حدّ كتابة هذه الأسطر ، أقرّ أنّني خاضع منذ اندلاع ” الحريق العربيّ ” لسطوة هواجس متوحّشة وأسئلة شرسة ، تحالفت مع طيف حبيبتي لتوفّر لي طقسا زاخرا بالشرود والحيرة والأرق ، ومن ضمن الأسئلة المريعة التي احتلّتني أذكر على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي:
ــ هل تتيح القرابة الدمويّة أو الجيرة أو المشاركة في وطن واحد أن يفرض أحدنا على كلّ ما حوله ومن حوله من ميّت وحيّ العيش وفق أهوائه وميولاته ونزواته أيضا، وأن يُجبر جاره مثلا على التطابق معه في الهيئة والسلوك والمعتقدات إلى حدّ التماهي فيه ، فيصبح جاره نسخة من أناه المتضخّمة المريضة الرافضة لكلّ من يخالفها الرأي والراغبة بقوّة وصفاقة في صبغ العالم بلونها وتشكيله حسب شكلها وتأثيثه بأفكارها وخرافاتها وحتّى هلوستها وما يصدر عنها؟
إن كان الجواب بالإيجاب فيا خيبة مسعى الشهداء والثكالى والأرامل والأيتام وما لا يُحصى من الجرحى والمعطوبين عضويّا ونفسيّا ، فمن الجور حقيقة أن تثمر هذه الثورة أو الفورة إن شئتم ، من القهر أن تثمر هذا السؤال الذي تجاوزه العقل الغربي والإنساني عموما منذ الثورة الفرنسية العظيمة وما نتج عنها من طفرة هائلة في الحريّات ومن مساحات مفتوحة للتعدّد والتنوّع والتنافس المعرفيّ والإبداعيّ ، وقد تعمّدت افتتاح هذه ” المقالة الصرخة ” بسؤال المواطنة ومقتضياتها لكي لا ننسى أبدا سرياليّة الوضع الاجتماعي الذي نتخبّط فيه منذ قرون ولم تفلح دماء طوابير الشهداء وتضحيات عشرات الآلاف من سلالتنا المذهولة المذهلة في تحقيق صدمة الحداثة والمعاصرة ، لم تنجح عشرات الأجيال المتتالية في خلخلة الفكر العربيّ وتفكيكه وإعادة صياغة واقع اجتماعي وسياسي يليق بأمّة ” اقرأ ” ، وبشعوب انتفضت ضدّ الاستعمار والطغيان مرّات عديدة طوال عقود من التضحيات والألم والشجن..
ــ ثمّة سؤال آخر يهيمن على دماغي المتصدّع منذ سنوات عديدة قطعتها متشرّدا في الساحة الأدبيّة العربيّة ، والسؤال هو هل أنّ المبدع العربيّ مجبر على التواصل اليوميّ مع مبدعي وطنه ومثقّفيه ، هل هو مضطرّ إلى تخصيص حياته الوحيدة للجلوس إليهم في أركان المقاهي وزوايا الحانات وإهدار عمره اليتيم في مجاملة زيد ومصافحة عمر والردّ على رسائل مبدعي الشبكة العنكبوتية ، إضافة طبعا إلى الأخذ بخاطر النطيحة والعرجاء وما خلّف الجهل ، لكي يقال أنّه كائن جميل ، متواضع ودمث الأخلاق ، تُرى هل سيُشفق التاريخ على مبدع فتح عزلته المقدّسة لكلّ من هبّ ودبّ بدعوى التواضع لزملائه في الإبداع ، ومتى كان الإبداع شراكة مع الآخرين ، أعتقد أنّه أكثر الأفعال الإنسانيّة خصوصيّة وتفرّدا لذا ليس على أيّ مبدع إهدار عمره في مجالس الثرثرة والنميمة بحجّة التواصل مع أمثاله ، فلا مثيل له إن كان مبدعا حقّا.
ــ سؤال ثالث وأخير حتّى أترك كلّ فرد منكم لهواجسه الخاصة ومشاغله المتهافتة عليه :
” يا برد الشارع … يا قلب الشرطيّْ
يا هذا القنديل التائه مثلي في ملكوت الليل
لماذا يأتي الموت
ولا تأتي قاتلتي مرّةْ؟
ولماذا لا تسهر إلاّ الشرطة والشعراء
في هذي الأرض الصفراء .. أو الزرقاء .. أو الخضراءْ؟ “

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …