منصة الصباح

أرواح ثكلى في كوكب مريض

محمد الهادي الجزيري

 

صدر للشاعر عبد الرزاق الربيعي مؤخّرا كتابا سرديّا بعنوان : ” أرواح ثكلى في كوكب مريض ” وقد افتتحه بمقدّمة تعرّض خلالها لأهمّ ما جاء في الكتاب ، وسرد علينا الأسباب التي دفعته للكتابة عن الوباء العالمي ” كورونا ” وخوفه من ردّة فعل القراء المرعوبين من هذا الوحش المتخفي اللامرئي ، كما أسهب في ذكر الأوبئة التي فتكت بالإنسانية منذ القدم، وكيف فسرها الإنسان حسب وعيه من أسطوري إلى ديني إلى طبّي، وتحدّث عن شرور كثيرة أسطرها البشر مثل ” صندوق باندورا ” الذي كان عقابا من زيوس للجنس البشري بعد سرقة بروميثيوس النار، خلاصة القول كانت المقدمة شاملة لما يريده الكاتب وما يخشاه وبيّن أنّه بعد مرور شهور عديدة تشكّلت لديه نواة مادة الكتاب : مقالاته في جريدة عمان، ملاحظاته، نصوصه الشعرية والمسرحية التي كُتبت أثناء الجائحة، ورسائل وإحصائيات..”

” حان الوقت لكي أدربّ نفسي على الفراق “، بهذه المقولة للأديب الألماني غونترغراس افتتح الكاتب متنه السرديّ ، وساردا قصة ابنة أخته وقد أصيبت بالمرض، يقول أنّه سألها عن شيء تأكدّت منه، ما هو؟، فجاوبته :” هذا الفيروس من صنع البشر ” وقالت أيضا

”  لأنّه ذكيّ ومراوغ …، يدخل المصاب ، في البداية يبدو كأنّه نزلة برد، ثمّ يدخل الجسم ليصيب أضعف عضو، وله أعراض تختلف عن كلّ يوم ..”

الشمع الأحمر يطال المساجد ، يقصّ لنا الأستاذ في النصّ الثالث كيفية منع الصلاة في المساجد جرّاء الوباء اللعين ..، ويقول أنّه في رحلته إلى الشارقة في بداية تفشي الداء الخفيّ ، وكان يوم جمعة، استمع إلى خطبة الإمام الذي كان صوته يصل إلى الغرفة في النزل ..، وكانت أوّل نصيحة للناس بالصلاة في البيت ” وتجنّب المساجد من باب الحدّ من انتشار الفيروس …، كان وقع النصيحة صادما بالنسبة لي، فمنذ طفولتي لم تَطرق سمعي نصيحة كهذه تأتي من أعلى المنبر..” ، لا شكّ أنّ القارئ مثلي عاش شبيه الحال ..فالوباء المتفشي لا يترك مكانا سليما ..، الحمد لله أنّه انحصر ويكاد يبقى ذكرى أليمة للإنسانية..

كما قلت سابقا..كتاب ” أرواح ثكلى في كوكب مريض ” مجموعة من المقالات والملاحظات أضف عليها مختارات من مقولات عالمية عن محور الكتاب، زد عليه فقرات من نصوص شعرية والمسرحية ..خلاصة القول هذا المتن مدجّج ب ” لا  ” كبيرة وعملاقة للفناء الذي هدّد العالم وكاد ..لولا تدخّل العلم والطب ولولا وقوف ” الجيش الأبيض ” الذي جاهد في كلّ أصقاع العالم ..ونجح برغم الخسائر الكبيرة في الأرواح ……..

في ” ابتسامات خلف كمّامات ” يوغل عبد الرزاق الربيعي في شعريته ويلاحق البسمة التي اختفت خلف الكمامة..، وأبدى وجه الشاعر الحائر في الطرقات والمسارح والمقاهي والمطاعم ..الباحث عن ابتسامة حرّة منطلقة ..، إذ وهو الذي يقول : ” رصدنا حالة من انخفاض الابتسامات التي أصبحت في تراجع في الحياة اليومية والشوارع ، حتّى بعد أن فتحت مجدّدا ذراعيها للمارّة وعيادات أطباء الأسنان ، وقاعات المسارح ، ودور العرض السينمائي التي أغلقت أبوابها ، وأماكن أخرى عديدة ، فاختفت ابتسامات مضيفات رحلات الجوية ، وموظفات العلاقات العامة في المطارات ، والفنادق ، ومحلات العطور ، والزهور ، صار وجه العالم بسبب ذلك أكثر تجهّما “….

حقيقة ..لا يمكن الإلمام بكلّ ما ورد في الكتاب الطافح بالحبّ للإنسان والمدافع عنه والداعي إلى المحافظة على العالم ..، ومن ضمن المقولات العالمية التي وشّح الكاتب بها كتابه ..، هذه المقولة لصموئيل بيكيت :

” أنت موجود على الأرض ، ولا يوجد علاج لذلك ”

 

 

شاهد أيضاً

على هامش مهرجان ليبيا السينمائي

ككثيرين غيري ربما، انتابتني مشاعر سلبية إزاء مهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة بمجرد الإعلان …