أحلام محمد الكميشي
احتفلت الجزائر في 5 يوليو بذكرى استقلالها وتحررها من استعمار فرنسي استمر132 سنة، وقد ترجم انتصار ثورتها أهمية الكفاح الشعبي والدعم الأخوي الصادق من ليبيا والسعودية ومصر وتونس شعوبا وحكومات، حيث دعمها الليبيون عبر حملات مقاطعة المنتجات الفرنسية، والمظاهرات والاحتجاجات، وإقامة (أسابيع الجزائر) بكل المدن والقرى الليبية بإشراف (لجان نصرة الجزائر) لجمع التبرعات العينية والنقدية، وقامت العائلات الليبية منذ انطلاق أول حملة لرعاية الأيتام سنة 1956م بتبني أكثر من 50 طفلا يتيمًا استشهد آباؤهم خلال معارك الثورة، وامتزج الدم الليبي بالجزائري في معركة إيسين سنة 1957م، وكانت برقيات تأييد الثورة تتزاحم على الصحف والإذاعات، وتبنت الدبلوماسية الليبية قضية الجزائر في كافة المحافل الدولية، واستضافت طرابلس المؤتمرات والاجتماعات السياسية المناصرة للقضية الجزائرية، وفي هدوء محسوب كانت عجلات السيارات والشاحنات الليبية المثقلة بالمساعدات تنهب الطرق البرية عابرةً الحدود صوب الثوار في الجبال ليحمل الكفاح المسلح لتحرير الجزائر إمضاء الملك إدريس السنوسي” ورؤساء حكوماته بدءً من “مصطفى بن حليم” وقوة دفاع برقة بقيادة “محمود بوقويطين” وضباط بوليس طرابلس بقيادة “عبد الحميد بك درنة”، وكثير من الأعيان والتجار الليبيين الذين بلغ حب بعضهم للجزائر أن أوصى بدفنه فيها كالحاج “الهادي المشيرقي” وكان له ذلك سنة 2007م.
أطلق الليبيون اسم الجزائر على أهم ميادين عاصمتهم، وشهد فندق (اكسيليسيور) قرب ميدان الشهداء محاولة اغتيال “أحمد بن بلة” نهاية سنة 1955م، وكان منزل “عبد الحميد بك درنة” مقرا لاجتماعاته السرية مع كل من “فتحي الديب” المكلف من الرئيس المصري “جمال عبد الناصر”، و”أحمد بن بلة” و”أحمد محساس”، لترتيب تخزين ونقل السلاح القادم من مصر للموانئ الليبية عبر (فخر البحار)، (انتصار)، (دينا)، (الحظ السعيد) و(ديفاكس) و(خواني لوكاس)، وإضافة لمزارع تاجوراء، مازالت مزرعة في غرب طرابلس قرب النجيلة تحمل إلى اليوم اسم (الجزائر) لأنها أهم مقرات تخزين الأسلحة والمعونات قبل نقلها بقوافل الإبل والشاحنات إما عبر تونس من زوارة ونالوت أو مباشرة للجزائر عبر غدامس وغات.
كانت الصحف الليبية منبرا لأخبار الثورة، وعبر أثير إذاعتي بنغازي وطرابلس صدحت أصوات مثقفي الجزائر 3 مرات أسبوعيًا يتقدمهم ” محمد الصالح الصدّيق” الذي روى لاحقًا قصة سيارة محملة بالسلاح دهست ولدًا خلال مرورها بمنطقة (سوق الجمعة) بطرابلس وما أن علم والده بسبب سرعة السيارة حتى عفا عن سائقها الجزائري “عباس قدوري” ، وزاد أن رفض الدية التي رغب قادة الثورة في تقديمها له محتسبًا ابنه الوحيد ضمن قائمة المليون شهيد.
عندما نبارك للجزائر فإننا نبارك لأنفسنا معها، فلقد غامرت ليبيا باستقلالها وتحرير إقليم فزان من الهيمنة الفرنسية في سبيل دعم الشعب الجزائري، وندعوها اليوم أمام التاريخ للوقوف مع بلادنا لتحقيق الاستقرار بذات الروح التي دعمها بها الليبيون في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ونتساءل: كيف نجح الدعم الشعبي والحكومي العربي والإسلامي في تحقيق استقلال الجزائر وأخفق في قضية فلسطين؟