أحلام محمد الكميشي
تعج وسائل التواصل الاجتماعي الموجهة للجمهور الليبي بالمحتوى الإعلامي والإعلاني غير المنضبط في مجمله والذي يخدم أغراضا شخصية لصانعيه بغض النظر عما ينتجه من آثار على المشاهد والمتلقي، فكل من يملك هاتف أو كاميرا أو كمبيوتر واتصال بالإنترنت يمكنه أن يخاطب الجميع عبر أي منصة أو تطبيق رقمي وبأي محتوى ودونما ضوابط أو معايير، وكلما كان المحتوى جذابًا للمتلقي كلما حصد مشاهدات أكبر وحظى صاحبه بمتابعين أكثر ، ما يمكنه بمرور الوقت من اكتساب قاعدة جماهيرية عريضة تستقطب التجار وأصحاب الأعمال الراغبين في الوصول لأكبر عدد من المستهلكين، والأمر ليس مجاني فالشهرة تجلب الأموال حتى أن بعض المشاهير تحول بين يوم وليلة إلى صاحب أموال وأملاك وانتقل لحياة فارهة لم يكن يتخيلها.
وكما يوجد محتوى جيد توجد محتويات ضارة لا تراعي سن المتلقي أو جنسه أو النظام والآداب العامة للبلاد وتعاليم الإسلام، وهناك من يعلن عن منتجات ومستحضرات طبية غير معروفة المصدر عدا عن البضائع وصفحات التسويق بالتجزئة وصولا لصفحات النصب والاحتيال ونشر الأفكار الهدامة والعادات الضارة والفتنة بين المواطنين.
نحن بحاجة إلى تشريع يخضع المشاهير في بلادنا مواطنين وأجانب لتنظيم يحمي المجتمع في المقام الأول ويرتقي بالمحتوى الرقمي بعد ذلك، نحتاج لتشريعات تضع الضوابط الواجب اتباعها وتفرض تراخيص محددة برسوم محددة يتوجب الحصول عليها قبل مخاطبة الليبيين، وتحدد عقوبات وغرامة كبيرة للمخالفين، لكن الأهم تحديد الجهة المسؤولة عن التنظيم ومنح التراخيص بموجب لوائح قانونية معتمدة من السلطة التشريعية، لأن واقع الحال الآن أنه ما من جهة معروفة يمكن التقدم إليها للحصول على تراخيص لإنشاء صحيفة أو إذاعة أو قناة تلفزيونية، وما من جهة تعلن الضوابط والإجراءات الواجب اتباعها بالخصوص، وكثير من شؤون الإعلام وضبط الإعلام تتنازعها عدة جهات هي نفسها بحاجة للضبط وبمسطرة القانون.
وقد سبقتنا دول كثيرة لهذا، وعلى سبيل المثال في سبتمبر 2022م، أعلن مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع بالمملكة السعودية عن خطوة تتخذ لأول مرة في إطار تنظيم المحتوى الإعلامي عبر إصدار ترخيص للأفراد والمشاهير الذين يقدمون محتوى رقمي أو إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، وحددت السلطات السعودية ضوابط الترخيص التي تسري على المواطنين والأجانب المقيمين، وسُميت الرخصة (موثوق) وهي إلزامية وتتيح تقديم المحتوى الإعلاني على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بمقابل أو بدونه.
وأهم الشروط هو أن يتم عرض الإعلان من خلال حساب مسجّل مسبقًا لدى السلطات المختصة وأن يكون المنتج حاصل على ترخيص وآمن وتم التحقق منه، وأن تراعى المرحلة العمرية للمتلقي وأن يتم تعريفه بأن هذا إعلان أصلا، وتسري الشروط على جميع الإعلانات (مقاطع فيديو، صور، نصوص كتابية، عناوين وعبارات، جرافيك ثابت أو متحرك) وغيرها، وأن يكون المحتوى المعروض موافق للنظام العام والأخلاق والآداب في البلاد، ويمكن الحصول على الترخيص عبر منصة للخدمات الإلكترونية، ما يعني سهولة الإجراءات وتسديد الرسوم، وحذرت السلطات المخالفين بالملاحقة القانونية وفرض العقوبات والغرامات والمنع من الظهور الإعلاني كليًا.