منصة الصباح

أب بعيد 5 

ترجمة : مأمون الزائدي

«هل تحب التدريس؟»

« أحب الأدب والتاريخ، نعم. المواضيع الأخرى تضجرني «.

كنت قد نسيت عادته في فرك يديه معا ثم فرقعة أصابع يديه بصورة مخيفة.

«اجتماعنا هذا، يا جاك …»

«… هو مسألة خاصة».

« أنت ولد ذكي. أنا أطلب منك أن تبقي هذا سرا لأجلك، ولأجلي ومن أجل أمك «.

« ومن اجل أم (اميليو).»

شيّع بيير بعينيه السماء وكأنه يرغب في التأكد على وجه التحديد أي سحابة سوف ترسل أول قطرة في العاصفة المقبلة. وبحنو أم، نشر غطاء العربة على راكبها. أسمع تنفس الطفل، نوعا من الشخير الخفيف، للمرة الأولى.

« وكيف هي فرنسيتك هذه الأيام؟»

«جميلة، يا أبي حالياً أنا أترجم dans le metro Zazie «.

«لا أعرفها».

«لريمون كينو».

«لم اسمع به. حسنا، انظر، الآن أنت تعرف أين تجدني «.

«حقاً.»

«إذا كان لديك الوقت، تعال وشاهد ريو برافو. واجلب صديقتك «.

« الى اللقاء يا أبي».

« إلى اللقاء، يا بني.»

12

بدأت ظلال المساء الأولى تحل عندما دخلت مع كريستيان الي الماخور كان معظم الفتيات يشربن الشاي أو يستمعن إلى برنامج إذاعي حيث يمكن للمتسابقين الفوز بالمال إذا تمكنوا من تخمين السعر الفعلي لبعض المنتجات. جاءت إحداهن اليّ وزرعت قبلة على كل من خدي. وسألت عن اسمي ومهنتي «جاك»، قلت لها، وانا «المعلم». ومحرجا، سألتها عما تفعله.

«أنا عاهرة»، قالت بابتسامة.

صعدنا إلى غرفتها. كانت لها ملامح هندية، مثل معظم الفتيات في هذا الجزء من البلاد. في فروتيلار، كما يقولون، هناك ماخور به فتيات من أسر ألمانية. هذه الفتاة لديها شعر السكان الأصليين المميز، عظام الخد البارزة، والابتسامة الهانئة. انها شابة وقوية. ربما في غضون سنوات قليلة ستصبح سمينة، ولكن ليس الآن. الشاي يغلي في السخان على الموقد المحمول في غرفتها، وبجانبه كوبان يحتويان على أكياس شاي ليبتون الصغيرة، بطانية (شيلوتي)على سريرها محبوكة وثقيلة مثل جلد حيوان.

«كوب شاي؟»

«بالتأكيد. شكرا.»

وهي تقلب الأكياس في الماء المغلي، كانت تتطلع الي حذائي ثم ربطة عنقي.

«هل يمكن أن تبدأ بخلع أشياءك.»

ثم جاءت، وبدأت تفك ربطة العنق، وعندما ظهرت رقبتي، قبلتني هناك، تاركة أثر رطبا وراءها. ودون انحناء، نزعت حذائي ودفعته تحت السرير. أنا دائما افعل ذلك، لأنه كان لوالدي قدمه لي عندما ذهبت الى كلية المعلمين، وكان حجمه كبيرا قليلا.

«الجو بارد « قلت لها.

«لا انه ليس كذلك، انها أعصابك يا عزيزي.

«أنا عصبي؟»

«اشرب شايك».

أخذت رشفة من الكأس، فقط لأتيقن أن السائل سيحرق لساني. الفتاة، من جانبها، أخذت ملعقة صغيرة وألقتها في الشاي قبل شربه.

« اذن ..ماذا الذي تدرسه، يا أستاذ؟»

«قليلا من كل شيء. ولكني أفضل الأدب والتاريخ «.

«ليس الجغرافيا؟»

«الجغرافيا أيضا.»

«أنا مجنونة جغرافيا»، أعلنت، وهي تنفخ على الشاي وتحتسيه بصخب «أنا أعرف البلدان والعواصم. سأقول أسماء وأنت تخيلي «.

«بوليفيا؟»

«هذا سهل. لاباز «.

«إسبانيا؟»

«سهل جداً. مدريد «.

«تشيكوسلوفاكيا».

قضمت الفتاة ظفرها. ونظرت الى السقف والبساط. ثم إلى الستار، ضغطت جبينها على زجاج النافذة، وحدقت في الشارع لفترة من الوقت.

«أنا لا اعرف.»

وبحركة محترفة، رمت برداءها، وجاءت الي عارية، وأخذت تلمسني. ثم صارت جادة تماما دفعتني على السرير ونزعت ملابسي. ثم امتطتني، تقلص وركها ثلاث أو أربع مرات، وانتهيت.

«لا يزال عليك دفع ثمن ساعة كاملة، أنت تعرف ذلك؟»

«ليس هناك أي مشكلة.»

«هل كانت جيدة؟»

«بالتأكيد».

رفعت غطاء السرير ولفته على رأسها مثل غطاء. فجأة نشرت ابتسامة كبيرة على وجهها.

«اسألني سؤال آخر.»

«من الصعب أو السهل؟»

«السهل.»

«فرنسا».

«باريس».

«TRES BIEN»، قلت، وشعرت ببعض من سائلي المنوي يقطر منها وينتشر على بطني.

«هل تتكلم الفرنسية؟»

«جيدا جدا. والدي من باريس «.

«هل تراه دائما؟»

«لا، الآن هو في فرنسا.»

أمسكت كتفيها، وسحبتها بالقرب من وجهي، وقبلت فمها. أشعر وكأنني أشارك في حوار للمرة الأولى. حتى هذه اللحظة، لم افعل شيئا سوى إطاعة أوامرها.

«قل شيئا باللغة الفرنسية.»

«من الصعب أو السهل؟»

«من الصعب والطويل. عليك دفع ثمن ساعة كاملة على أي حال «.

«حسنا. أسطر قليلة من الشعر؟ «

«دعنا نسمعهم.»

بقيت هادئاً للحظة لأتيقن من أنني قد أمسكت الأبيات كاملة في ذاكرتي قبل إرسالها على لساني. هناك بقعة على شكل سمكة على السقف.

Ah! pauvre père! aurais-tu jamais deviné quel amour tu as mis en moi     Et combien j’aime à travers toi toutes les choses de la terre?

Quel étonnement serait le tien si tu pouvais me voir maintenant

À genoux dans le lit boueux de la journée

Raclant le sol de mes deux mains

Comme les chercheurs de beauté!

نزلت الفتاة عني ومشت الى المغسلة. واستخدمت قطعة قماش مبللة لتنظيف بطنها وفخذيها.

«لم أفهم شيئا»، قالت «أنا لا أفهم أي شيء عندما أذهب الى السينما. المشكلة هي أنني لا أتمكن من قراءة الترجمة. فهي تمر سريعا جدا «.

«انها قصيدة مهداة لوالد الشاعر».

«هل كتبتها أنت؟»

«لا، لكني ترجمتها. يمكنك العثور عليها في ملحق نهاية الأسبوع لصحيفة دياريو دي انغول «.

«وماذا تقول؟»

« آه، يا والدي المسكين، هل فكرت يوما كم من الحب زرعت في نفسي، وكيف أحببت عبرك، كل الأشياء على الأرض؟ «وهو من تأليف رينيه غي كادو.»

«هل تمنيت أنك كتبها؟»

« لا يمكنني أن اكتب قصيدة من هذا القبيل. أنا مدرس ريفي بسيط «.

«انها خمسة آلاف بيزو للساعة.»

سحبت سروالي ووضعت الأوراق النقدية الرطبة التي استدنتها من الطحان على الطاولة. أخذتْ بعض الماء، وبللت غرة الشعر على جبينها، ورتبتها نحو سلس.

«أنا عائد الليلة إلى كونتيولمو. القطار يغادر خلال ساعة «.

«إذا جئت الى هذه الأنحاء مرة أخرى، سأكون هنا من أجلك. اسمي راين، لكن نادني لونا «.

«لماذا؟»

«لأنني قمرية، لأنني دائما انظر إلى القمر، لأن لدي وجها على شكل القمر. أنا لا أعرف لماذا. الجميع يدعوني لونا. بماذا ينادونك؟»

«الأستاذ»

«هذا هو؟»

«هذا هو. الأستاذ «

«هل تعطي درجات جيدة؟»

«لم يسبق لي أن أفشلت أي شخص.»

«ما هي الدرجة التي تعطيني في الجغرافيا؟»

تبسمت وبدت أسنانها كما لو أنها على وشك القفز من فمها الواسع.

«روسيا؟» سألتها.

«موسكو»، قالت، وابتسامتها تتوسع «أي درجة؟»

«A»

«هل أنت جاد؟ كنت ستعطيني A في الجغرافيا؟ «

« بالتأكيد أعلى درجة «.

«لا أستطيع الانتظار كي أخبر باقي الفتيات «.

«حسنا.»

أعطتني يدها بشكل رسمي تماما. أمسكتها، وهززتها مصافحاً، وغادرت ببطء بيت الدعارة.

خارج الباب كان يتوفر لهم موقف، حتى يمكن لرعاة البقر ربط خيولهم. كان الطحان واقفا، ينتابه التثاؤب.

«إذا، كيف كان الوضع؟»

«عظيم.»

« كانت الفتاة رائعة؟»

«نعم، كريستيان، كانت مثيرة.»

«ما الذي تحدثتما عنه؟»

«حماقات وعن أنفسنا. ماذا عنك؟»

«نحن لم نتمكن من أن نجد موضوعا مشتركا. أعني، أنها ليست فتاة جيدة في التواصل «.

أخذنا الطريق الترابي إلى محطة القطار. شريحة من القمر ترتفع وسط الغيوم السوداء. بلا مطر، ولكن الجو بارد.

«إذا لم تتحدثا أنت وهي على الإطلاق.»

« كانت كلمتين او ثلاث كلمات صدق أو لا تصدق، سألتني عن وصفة صنع الخبز «.

«هذا موضوع مشوق، يا كريستيان. ما هي وصفة خَبز الرغيف الفرنسي؟ «

«التي يستخدمها والدك.»

«وأي صفة كان يستخدم والدي؟»

«أنت تضغط علي أتريد مني أن أقدم لك الوصفة الآن أليس كذلك؟ «

شاهد أيضاً

بحضور المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للإعلام: اختتام الدورة التي اقامتها هيئة الصحافة في مجالات الادارة الحديثة

اختتمت اليوم الخميس 21 نوفمبر بالهيئة العامة للصحافة الدورة التدريبية التي نظمتها الهيئة العامة للصحافة …