منصة الصباح

جريمة التهديد الإلكتروني ….في القانون الليبي

بقلم : آمنة الهشيك / أستاذة قانون

 تسارع إيقاع التقدم التكنولوجي وتوسع الفضاء الالكتروني، عزز سهولة التواصل الاجتماعي مما أدى إلى  إفراز العديد من الجرائم التي تقع عبر هذه الوسائل ، وتعد جريمة التهديد الالكتروني أحد هذه الجرائم .

فهل يعد التهديد عبر مواقع التواصل من شخص معلوم أو مجهول الهوية ، جريمة يعاقب عليها القانون الليبي ؟

من المسلم به أن القانون الليبي أفرد نصوص خاصة تجرم مجرد التهديد ، بحيث يستوعب أيضا التهديد الذي يقع الكترونيا فلا يختلفان إلا من حيث الوسيلة ،وإن كنا نأمل أن يفرد له نصوص خاصة.ذلك أن التهديد الالكتروني من وجهة نظرنا أشد وقعا على المجني عليه ، لسهولة وصول الجاني للضحية متسترا في بعض الأحيان بإخفاء هويته .

ما المقصود بجريمة التهديد ؟ وما هي عقوبتها في القانون الليبي ؟

التهديد يعبر عن تفكير الجاني بإلحاق ضرر مستقبلي غير مشروع بإنسان آخر، بإصدار الجاني قول أو فعل أو إشارة أو كتابة أو رسم أو رسالة يتضمن توعد شخص بإنزال ضرر مستقبلي بالضحية ،  كما قد يكون التهديد بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال أو بإفشاء أمور خادشة بالشرف أو باستعمال السلاح.كأن يهدد الجاني المجني عليه بالقتل . أي أن مجرد التهديد فقط دون أن يستخدم أي سلوك مادي ذلك أن الجريمة فيما بعد يكون لها تكييف قانوني آخر.

ولذا فإنه يستبعد من نطاق هذه الجريمة أن يكون التهديد بإنزال ضرر (غير مستقبلي)، بحيث تحققه يتوقف على تحقق شرط آخر ، كأن يهدد شخص آخر بقوله إذا سرقت مالي سأقتلك.

ورد النص على جريمة التهديد في قانون العقوبات الليبي في المادة (430) ،حيث يجب أن تقع الجريمة بتوافر ركنين (مادي ، قصد جنائي ) وتتمثل فيما يلي  :

1/  ينبغي أن يكون السلوك  بإنزال ضرر غير مشروع ، والضرر في مفهومه المتعلق بهذه الجريمة، هو كل أذى أو تعريض مصلحة تتعلق بالشخص المجني عليه للخطر ، ويتعلق الضرر بمصلحة محمية قانونا. بحيث يكفي أن يكون الضرر المهدد به من شأنه أن يؤثر على هدوء الشخص الذي تم تهديده .

2/  أن يكون الضرر ممكن التحقق ليس مجرد أوهام ، وإلا انتفى جوهر التهديد كعنصر في هذه الجريمة. ومع ذلك  تراعى حالة الشخص الذي تم تهديده ، وما إذا كان يتأثر ويصدق الأوهام المهم أنها تسببت في إرباكه . ذلك أن القانون اشترط أن الجريمة تكتمل في اللحظة التي يصل فيها الضحية إلى علمه عبارات التهديد، أي لحظة سماعه عبارات التهديد أيا كان نوعه سواء برسالة صوتية أو برسومات بحيث تؤكد أن الجاني يهدده أو يبتزه حيث يدخل الابتزاز في إطار جريمة التهديد ..

3/ الشعور الفعلي للضحية بالخوف ، ليس بالضرورة أن يحدث ، ولا يؤثر فيما بعد إذا ما ادعى الجاني أنه لم يقصد تهديده أو إثارة الرعب في نفسه ، ذلك لأن تقدير مدى وقوع الجريمة   يخضع لسلطة قاضي الموضوع أي الذي يفصل في الدعوى وذلك بناء على ظروف وملابسات الجريمة.

4/اشترط نص المادة (بضرورة توافر القصد الجنائي أي وقوع التهديد عمدا ،وذلك بأن يعلم الجاني بأنه تهديد المجني عليه بإنزال ضرر غير مشروع  ، ويريد ذلك بنية بث الخوف في المجني عليه ، ولا يشترط أن تنطوي هذه النية على تحقيق مضمون هذا التهديد فعلا، ذلك أن وضع هذه الجريمة هو مجرد التهديد بإلحاق ضرر غير مشروع بالمجني عليه .

أما عقوبتها فلها صورتين (صورة بسيطة ) وهنا العقوبة  تخييرية بين حبس وغرامة و طبقا لنص المادة 1/430 ع ، يعاقب مرتكب هذه الجريمة في صورتها البسيطة بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسين دينارا، ولا تقام الدعوى الجنائية في هذه الصورة إلا بناء على شكوى المجني عليه.

و(صورة مشددة  )وتعد (جنحة) وعقوبتها الحبس ، حيث شدد عقوبة هذه الجريمة عند توفر ظرف من ظروف التشديد المبينة في المادة /430ع الفقرة الثانية، وذلك (بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال أو بإفشاء أمور خادشة بالشرف أو باستعمال السلاح )،  وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة ، ولا تتوقف إقامة الدعوى على شكوى المجني عليه مما يوضح لنا أنه لا تأثير على تنازل لمجني عليه فيما بعد والحكمة في تشديد العقوبة عند توفر أحد هذه الظروف خطورة هذا الفعل وضرره على المجني عليه .

وإن كانت النصوص العادية تستوعب بعض الجرائم التي تقع إلكترونيا إلا أنه باتت الحاجة ضرورية وملحة لصدور قانون خاص بالجرائم الالكترونية ، فأدلة إثبات الجرائم الالكترونية تختلف عن الأدلة التقليدية ، وإن كانت هناك مبادرات من وزارة الداخلية. إلا أنه يستلزم صدور جهاز خاص بمكافحة الجرائم الالكترونية بحيث يسهل الوصول له وتقديم البلاغات ونشر الوعي بين فئات المجتمع  بتنظيم ورش عمل و تقديم دورات توعية توضح مخاطر الجرائم التي ترتكب الكترونيا ، فالتطور الذي يشهده العالم اليوم يجعل من الجرائم التي تقع الكترونيا من أهم التحديات التي تواجه الدول.

شاهد أيضاً

مصرف الجمهورية يعلن عن توقف خدماته الإلكترونية مؤقتا

اعلن مصرف الجمهورية عن توقف خدماته الإلكترونية المتمثلة في خدمات الدفع الإلكتروني (POS) وتطبيق الهاتف …