بقلم : آمنة الهشيك / أستاذة قانون
يتسبب تعاطي وإدمان الكحول في وفاة أكثر من (2) مليون إنسان سنويا ، فتأثير الكحول على الإنسان أخطر بمراحل من تأثير المخدرات بحسب دراسات وأبحاث نشرت في المجلة الطبية
ذا لانسيت (the lancet) ، كما أن تأثيرها لا يقف عند المتعاطي فحسب بل يمتد إلى جميع المحيطين به.
لماذا حرم الله شرب الخمر ؟
حرم الله شرب الخمر في القرآن الكريم حفظا للعقل فقد تدرج في تحريمه على مراحل ، والحكمة في ذلك أنه كان عادة متأصلة في العرب آنذاك ، إذ لو حرم دفعة واحدة لكان أكثر مشقة ، ولما امتثل أحد لأمره تعالى .
إذا كان الإفراط في تناوله يذهب العقل وينتج عنه تلف خلايا المخ ، إذاً لماذا حرم شرب القليل منه بالرغم من أن القليل لا يذهب العقل ؟
أظهرت دراسات أجراها الدكتور جول إريلماز طبيب نفسي في دراسة الحياة الاجتماعية والنفسية بأن أغلب مدمني الكحول لم يصلوا للإدمان دفعة واحدة ، بل بدأ إدمانهم بالتدريج بحيث يكون فقط في المناسبات الإجتماعية حيث اصطلح على تسميته (بالشرب الإجتماعي للكحول )ويعرفه بأنه “الزيادة التدريجية في تناول الكحول، والتي تكون في البداية مجرد رغبة في تناوله ، إلا أنه فيما بعد تصبح محاولات الإقلاع عنه غير ناجحة مما يؤدي إلى الإدمان .
وهذا ما أكدته كذلك دراسات عديدة فيما بعد .
كما أكد باحثون أن مادة الإيثانول الموجودة في الكحوليات إلى جانب تأثيرها على المستقبلات العصبية وكامل أعضاء الجسم ، فهي تسبب إفراز مادة الدوبامين الكيميائية فتؤثر على الإحساس والسلوك مما يُشعر المتعاطي بالمتعة ، فإن وجد المتعاطي في الكأس الأولى متعة لحظية ،الثانية والثالثة ستكون كذلك ، ومن ثم يتعود الجسم على تقبل هذه السموم مما يحتاج فيما بعد إلى زيادة الجرعة ذلك أن الكمية المعتادة لم تعد كافية لتشعره بالسعادة. ويستمر هكذا إلى أن يصل إلى مرحلة الإدمان… ومن ثم يصبح من الصعب التحكم في كمية تناولها مما يتطلب تدخل طبي للعلاج بنتائج غير مضمونة .
إذاً التعاطي يختلف كمصطلح عن الإدمان .فالتعاطي يكون بكميات محدودة بحيث يكون الإقلاع عنها أيسر متى ما قررالمتعاطي ذلك ، بينما الإدمان يحدث عندما يستمر في التعاطي إلى المرحلة التي يصبح فيها معتمدا على هذه المواد ومن ثم يكون من الصعب التوقف عنها .
لذلك صدق خاتم الأنبياء والمرسلين (محمد) عندما قال ” ما أسكر كثيره فقليله حرام ” رواه أحمد وأبو داود عن جابر ، وهذا نستدل به أن شرب القليل لا يذهب العقل ، إنما له مخاطر عديدة تظهر في المستقبل أكدتها الأبحاث العلمية ، فمن باب سد الذرائع حرِم قليله وكثيره ، فالنفس أمارة بالسوء.
وهذا بالتأكيد يدحض حجج البعض ممن يعدون شرب الخمور بكميات محدودة ( حلال ) ، فبحسب وجهة نظرهم أن الله لو أراد التحريم لكان ذكر لفظ التحريم صراحة ، واستدلوا على ذلك بنص الله في العديد من الآيات القرآنية (على الاجتناب ) ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (سورة المائدة الآية 90) وفي الواقع الاجتناب أشد وأعظم من التحريم فالله لم يحرمها فحسب بل أمر باجتناب كل ما يؤدي لها واعتبرها من سخط الشيطان ، وهذا تماما ما يتأكد لنا في قوله تعالى ” واجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور” (سورة الحج الآية 30)أي اجتنبوا الشرك بالله ،.فهل المقصود هنا أن الشرك غير محرم وهو من أكبر الكبائر؟
لابد أن نتدبر في العلة والحكمة من المحرمات، والاستفادة مما توصل له العلم حتى نكون أكثر حجة و اقناعا ، بدلا من التركيز الأكبر على تشديد العقوبات ! لا سيما وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية أن بعض من الدول التي أقرت عقوبات قاسية لتعاطي الكحول والمتاجرة بها ،قد تصدرت المراتب الأولى عربيا بل تفوقت على بعض الدول الغربية في استهلاكها للكحول. .،كالإمارات وتونس والسودان والمغرب ولبنان فعلى سبيل المثال بحسب تقارير الغرفة النقابية للمشروبات الكحولية بتونس أن عدد المستهلكين للكحول وصل إلى 1.7 مليون شخص ، على الرغم من أن العقوبة في الفصل 317 من القانون الجنائي تصل للسجن ،وفي الإمارات كذلك، جرمت تعاطيها والمتاجرة بها وأقرت عقوبة الجلد والسجن ، وتعد دولة ليبيا من بين العشرة دول الأقل استهلاكا للكحول بحسب تقارير المنظمة ، إلا أنه لا يمكن إنكار انتشار ظاهرة تعاطي الكحول والمتاجرة بها ، من خلال عمليات الضبط المتكررة التي يقوم بها جهاز مكافحة المخدرات وما خفي كان أعظم.