منصة الصباح

يا إنسان انتصر للإنسان

 

بقلم / محمد الهادي الجزيري

أعتقد أن لا خلاص للإنسانية ممّا تعانيه من حروب وغزوات متبادلة وتكالب على الأخضر واليابس إلاّ باعتناق الحبّ والإيثار…، بي وعي حادّ أنّ الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ، لكنّه يتميّز على بقيّة الوحوش بقدرته على تجاوز ذئبيته إذا أراد ذلك، ولقد أسهبت في تفصيل هذه المسألة في طيّات روايتي ” جنّة الحيوان ” التي صدرت مع اندلاع الفوضى الخلاقة ، وها إنّي أكرّر النداء: لنعتصم بالحبّ والإيثار رجاء ولندجّن الذئب الكامن في الإنسان، لنقيّد جوعه ونكبح جشعه ونعوّضه عن خسائره بلذّة العطاء والرحمة والرفق بمن حوله من ذئاب طيّبين ،وما هم بطيّبين ، لكنّهم لم يجدوا الوسيلة والقدرة على الجور والإيذاء والضمّ واللمّ ، ما أصدق وأفصح بيت الكبير المتنبي طبعا:

” الظلم من شيم النفوس فإن تجد   ذا عفّة فلعلّة لا يظلم “

لست بصدد محاولة النيل من الإنسان وتشويه سمعته، فهي مخجلة أصلا، وقد اكتسبها عبر سفره الطويل من الكهف إلى الكوخ إلى البيت إلى القصر…، مجازر لا تحصى وانتهاكات مثل حصى الوديان وانتهاك للعرض والأرض وكلّ ما يقع في مجال عينيه ، أو ما يصل إلى أذنيه من أخبار عن ولائم الكوكب المشتعل، أريد فقط أن أتصالح مع جميع إخواني الذئاب المنضوين تحت لواء عائلتي والحيّ الشعبيّ الذي أكمن في أحد بيوته، والمنتمين إلى وطني وأمّتي والإنسانية جمعاء …، يا إلهي كم سأصارع من ذئب في هذا العبور الاضطراري المسمّى : حياة…..

أريد السلام يا خلق ، تعبت ولا شكّ أنّ العديد منكم على وشك الاستسلام ، من فرط الصراع المحموم على الفوز بأكبر قسط ممكن من المتعة والراحة والسلطة خاصة ، أنا اليوم أعلن استسلامي لكم واكتفائي بالقليل القليل، فبعد خمسين سنة من التحايل على الحياة والركض في دروبها وعبر مزالقها ، أشعر باللا جدوى من كلّ هذا اللهاث، والمشاركة في لعبة الأضداد المرتكزة أساسا على التزاحم والتنافس والتآمر الذي نطلق عليه نحن معشر الشعراء تسمية لطيفة ، فما هو غير نميمة خفيفة نتذوّقها في خلواتنا البريئة، على كلّ حال… : ” بعْ بعْ ، صحّة ليكم وبالشفاءْ “، لن تأخذوا معكم إلى ضيق القبر غير الوهم مثل الملايين ممّن سبقوكم ، يا جماعة ، يا إخوتي الذئاب ،والله ثمّ والله إنّ الحياة حلوة كما صدح بذلك فريد الأطرش، وهذا الكوكب التائه بين المجرّات يتّسع لنا جميعا، بشرط أن نحدّد سرعة الغضب وأن نوقف محرّك الجشع ونجلس إلى الحبّ من حين إلى آخر ، تعالوا نجرّب الحبّ والإيثار، وثقوا أنّ فيهما لذّة عظيمة، أليس ديدنا الفوز باللذة منذ كنّا، فلنجرّب لذّة أخرى ، لعلّها جديدة بالنسبة للأغلبية الساحقة ، كما يقال في فرز الأصوات الانتخابية، ثمّ ألم نملّ بعد لذّة البطش والقتل والظلم وغيرها من اللذّات التي تجاوزت جميعها تاريخ صلوحيّة استهلاكها، تسمّمنا يا خلق ولكن ما زال فينا نبض من أمل، نبض يزداد قوّة ووضوحا كلّما أوشك شهر رمضان الكريم  على الانفلات ولاح لنا العيد على بعد أيام ، لماذا إذن لا يدوم كرمنا وإيثارنا وعطفنا على الآخرين على مدار السنة ، لنحقّق إنسانية هذا الكائن الرهيب… والجميل في الآن نفسه … لننتصر أيها الأدباء والمبدعون لأخينا الإنسان ……

 

شاهد أيضاً

(عن ايام الطباعة نار ورصاص واورام )

زكريا العنقودي انا ولد مطبعة وكبرت من عمري 15 العام بين الحبر والاوراق ، وللعلم …